صوت البلد للأنباء –
غياب البنية التحتية اللازمة لاستدامة عمل القواقع السمعية، التي توفرها الدولة للأطفال في الأردن، وإهمال تنظيم السوق المتصلة بعمليات الصيانة، واستبدال قطع الغيار مع فرض ضرائب على تلك المستلزمات؛ ما يجعل أسر هؤلاء الأطفال “رهائن” ارتباط مالي أبدي، لا مهرب منه، مع الشركات صاحبة التكنولوجيا.
“كنا مفكرين قوقعة وسماعة وبنروّح” قالها رامي علقم، وهو يعود بذاكرته ثماني سنوات، حين خضعت طفلته لاريس لزراعة قوقعة سمعية، وفرها القطاع الصحي العام للطفلة.
كانت لاريس تعاني صعوبات في السمع؛ ما دفع والديها إلى التقدم بطلب تأمين قوقعة سمعية من الجهات المتبرعة التابعة للدولة.
يوضح والد الطفلة: “ما كان فيه توعية لا قبل العملية ولا بعدها، أنه هذه التكاليف ستكون عبئاً على الأهل”.
“يا بتدفع يا ما في سمع”
يؤكد رامي أن الأطفال زارعي القوقعة لا يحصلون على معاملة خاصة فيما يتعلق بالرسوم الجمركية لقطع الغيار. يقول بمرارة: “الشركات وضعتنا تحت الأمر الواقع، يا بتدفع يا ما في سمع”.
تعطل الجهاز الخارجي للقوقعة السمعية الخاص بالطفلة لاريس، بعد تسعة أشهر من تركيبه. اضطر الأب إلى الاقتراض من البنك مبلغ ستة آلاف دينار أردني، لتأمين تكاليف جهاز خارجي جديد؛ إذ لم توافق الشركة والجهة المتبرعة التابعة للدولة على استبداله. اكتفت الشركة بحسم 500 دينار أردني من سعر الجهاز الجديد، مقابل حصولها على الجهاز القديم.
يدفع الوالد الآن مبلغاً شهرياً يقدر بنحو 500 دينار، كلفة استخدام القوقعة، يشمل القسط الشهري للقرض، ودروس التأهيل وثمن قطع الغيار كالأسلاك (الكوابل) الدقيقة التي تعطب. إضافة إلى البطاريات التي يقول رامي إن الجهة المتبرعة لا توفرها بالقدر الكافي.
والد الطفلة لاريس علقم
ما يزال رامي يسدد المبلغ الذي اقترضه قبل نحو سبعة أعوام. كان هذا الخيار الوحيد أمامه حتى لا تحرم الصغيرة من السمع، والالتحاق بالتعليم المدرسي. “إذا الجهاز اشتغل صار الطفل يسمع، إذا ما اشتغل رجع كأنه أصم”، ويضيف رامي بمرارة: “المشكلة ما في تأمين بغطيك”.
لم يكن رامي الوحيد الذي اضطر إلى الاقتراض من البنك لإيجاد حل لتلف الجهاز الخارجي للقوقعة السمعية؛ بل لجأ فادي القرعان أيضاً إلى الاقتراض من البنك لاستبدال جهازي طفليه محمد ومحمود، بعد تعرض الجهازين للتلف. يدفع القرعان شهرياً 280 ديناراً أردنياً لتسديد القرض، الذي تبلغ قيمته 12 ألف دينار.
خضع التوأمان محمد ومحمود القرعان لزراعة القوقعة في سن الرابعة، بعد اكتشاف إصابتهما بضعف شديد في السمع. حصل الطفلان على إعفاء طبي في القطاع العام، مكّنهما من الخضوع لزراعة القوقعة.
كان فادي (والد التوأمين) يحصل شهرياً على علبتي بطاريات، وسلك واحد كل ثلاثة أشهر، تُقدم مجاناً لكل طفل؛ لكن لم تكن هذه الكمية كافية، بحسب فادي.
لجأ الوالد إلى متبرعين للحصول على بطاريات لتأمين استمرار عمل الجهازين. وكان يدفع، مقابل الصيانة والقطع المتصلة بالجهاز الخارجي، مبالغ أثقلت كاهل الأسرة.
لم يعد يضطر فادي القرعان إلى دفع تلك المبالغ، بعد شراء الأجهزة الحديثة على حسابه الخاص، والتي لا تحتاج إلى أسلاك أو بطاريات؛ لكنّ هاجس تحديث الجهاز الجديد مستقبلاً، لا يزال يقلقه.
غياب البنية التحتية الملائمة
تتوزع عمليات زراعة القوقعة السمعية في القطاع العام بالأردن على ثلاث جهات، هي مستشفى الأمير حمزة الحكومي، ومستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي، والخدمات الطبية الملكية.
وأجرت وزارة الصحة 520 عملية زراعة قوقعة سمعية على نفقتها منذ العام 2007، حتى العام 2014، لتُغطى النفقات لاحقًا بواسطة إعفاء صحي من الديوان الملكي.
ضريبة حاضرة ورقابة غائبة
تؤكد دائرة الجمارك الأردنية، أن قطع الغيار الخارجية للقوقعة السمعية تخضع لرسوم ضريبية، تصل إلى 16 في المئة، في الوقت الذي تبلغ فيه الرسوم الضريبية على جهاز القوقعة الداخلي، الذي تؤمنه في العادة الجهات المتبرعة التابعة للدولة، 4 في المئة.
لا تحظى القواقع السمعية برقابة الجهات المختصة على تحديد أسعارها، كما هو الحال بالنسبة لأجهزة أخرى تُزرع داخل الجسم. فعلى سبيل المثال؛ تُحدد المؤسسة العامة للغذاء والدواء أرباح المستورد وسقف السعر لشبكات القلب وملحقاتها، وفق أسس وُضعت لهذا الغرض، في حين لا توجد تعليمات خاصة بالقواقع السمعية وملحقاتها.