صوت البلد للأنباء –
منذ أكثر من عشرت أيام، تكافح القوات الروسية من أجل طرد الغزاة الأوكران، الذي فاجأوا حراس حدودها في مقاطعة كورسك.
فمنذ السادس من أغسطس الحالي، سقطت عشرات القرى في تلك المقاطعة الحدودية في أيدي القوات الأوكرانية، واحتجز مئات السجناء.
فيما أجبر عشرات الآلاف من المدنيين على النزوح، جراء أكبر هجوم على البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
فلماذا بدا الجيش الروسي غير مستعد، وعاجز إلى هذا الحد؟
حدود طويلة غير محمية
لعل السبب الأول يعود إلى طبيعة تلك المقاطعة، التي تملك حدوداً طويلة.
إذ تشترك مناطق كورسك وبريانسك وبيلغورود الروسية في حدود يبلغ طولها 1160 كيلومترًا (720 ميلًا) مع أوكرانيا. ويشمل ذلك قسمًا بطول 245 كيلومترًا (152 ميلًا) في كورسك.
إلا أن الحماية الأمنية على تلك الحدود كانت رمزية قبل غزو موسكو للأراضي الأوكرانية في عام 2022.
ثم عزز الوجود الأمني بنقاط تفتيش فقط على الطرق الرئيسية والتحصينات الميدانية في بعض الأماكنفيما استخدمت موسكو تلك المناطق لشن غارات جوية وهجمات صاروخية على الأراضي الأوكرانية، دون أن تنشر ما يكفي من القوات البرية.
وقد سمح نقص القوى البشرية هذا، لبعض المجموعات الغامضة من الكوماندوز الموالين لكييف في السابق بتنفيذ غارات على بيلغورود وبريانسك، وفق ما أفادت وكالة أسوشييتد برس.
كما أن الطائرات بدون طيار ومعدات المراقبة والأصول الاستخباراتية الروسية تتركز في شرق أوكرانيا، ما يساعد القوات الأوكرانية على التسلل سراً نحو الحدود تحت غطاء الغابات الكثيفة.
ولعل أصدق تعبير عن فشل القوات الروسية لهذا التسلل والغزو المفاجئ، جاء على لسان الجنرال المتقاعد أندريه جوروليف، وعضو مجلس النواب الذي وجه انتقادات قاسية إلى الجيش لفشله في حماية الحدود.
وقال عبر إحدى قنوات تليغرام: “للأسف، لم يكن لدى القوات أصولا استخباراتية كافية”
عنصر المفاجأة
أما السبب الثاني لفشل الروس في صد هذا الهجوم أو توقعه فيعود إلى عنصر المفاجأة.
فقد سعت القيادة العسكرية الأوكرانية إلى إبلاغ القوات المولجة في التوغل بمهمتها قبل يوم واحد فقط.
على عكس ما حصل العام الماضي، عندما أعلنت كييف صراحة هدفها الرئيسي المتمثل في قطع الممر البري إلى شبه جزيرة القرم، التي ضمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل غير قانوني في 2014.
وقد فشل هذا الهجوم حينها مع مرور القوات الأوكرانية عبر حقول الألغام الروسية وتعرضها للقصف المدفعي والقذائف الصاروخية، والطائرات بدون طيار.
لكن الأوكران لم يواجهوا هذه المرة تلك العوائق في كورسك. بل تغلبت وحداتهم المتمرسة في القتال بسهولة على حرس الحدود الروسي المسلح بأسلحة خفيفة ووحدات المشاة الصغيرة المكونة من مجندين عديمي الخبرة.
فقد أكد مسؤولون أوكرانيون أنهم أسروا المئات من المجندين خلال توغلهم البري، ولم يواجهوا مقاومة تذكر، بل زرعوا الفوضى والذعر في قلوبهم.
ولعل المفارقة أن غزو كورسك يشبه إلى حد بعيد الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا في سبتمبر 2022 والذي استعادت فيه قواتها السيطرة على منطقة خاركيف الشمالية الشرقية بعد الاستفادة من نقص القوى البشرية الروسية ونقص التحصينات الميدانية.
بل المثير في الأمر أن الجنرال أولكسندر سيرسكي، الذي قاد عملية خاركيف قبل عامين، هو الآن أكبر ضابط عسكري في أوكرانيا.
فيما تخضع القوات الروسية في كورسك لإمرة الجنرال ألكسندر لابين، الذي قاد قوات موسكو في خاركيف وتعرض حينها لانتقادات بسبب تلك الكارثة.
لكن علاقاته برئيس الأركان العامة، الجنرال فاليري جيراسيموف، ساعدته ودعمته بل مهدت له الطريق للحصول على ترقية!
الخطر الأكبر
رغم هذا التقدم الأوكراني والعجز الروسي في صده، يبقى الأخطر أن تقرر كييف البقاء في كورسك.
فتمسك أوكرانيا بحصولها على موطئ قدم في كورسك، قد يشكل ضربة قاضية لها. إذ يجمع المحللون على أن هذا الخيار محفوف بالمخاطر لأن خطوط الإمداد الممتدة في عمق المنطقة ستكون عرضة للضربات الروسية.