صوت البلد للأنباء –
تشهد الأسواق المالية العالمية تحولاً جذرياً، حيث تتجه تكاليف الاقتراض نحو مسارات هي الأعلى منذ ما يقرب من عقدين.
يُعد هذا الارتفاع المستمر في عوائد السندات طويلة الأجل تعبيراً مباشراً عن فقدان الثقة في الاستقرار الاقتصادي المستقبلي، إذ يطالب المستثمرون الآن بعلاوات مخاطر أعلى للتعويض عن المخاطر المتزايدة.
وتُشير الحركة السعرية هذه إلى أن التحديات الهيكلية المتمثلة في التوسع الحكومي الممول بالدين والضغط التضخمي العنيد باتت تؤرق التوقعات طويلة الأمد.
ويُفيد تقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” بأن فترة طويلة من ارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل تُفاقم تكاليف الاقتراض في جميع أنحاء العالم.
وأوضح التقرير أن هذا يعود إلى مطالبة المستثمرين بتعويضات إضافية مقابل الاحتفاظ بالديون الحكومية، في مواجهة عوامل متعددة أهمها العجز المستمر في الموازنات واستمرار التضخم، بالإضافة إلى تزايد التساؤلات حول استقلالية البنوك المركزية.
كما أشار التقرير إلى أن التوقعات بانتهاء دورة خفض أسعار الفائدة قريباً – وربما التحول نحو زيادتها في بعض مناطق العالم – أثرت سلباً على معنويات المستثمرين، دافعةً عوائد الديون طويلة الأجل إلى مستويات هي الأعلى منذ عام 2009.
أزمة الديون العالمية وأسبابها
وذكر التقرير أن القلق بشأن الديون والعجز يزداد، حيث تراكمت الديون الرخيصة على الحكومات عالمياً بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، ثم زادت وتيرة الاقتراض لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، حيث بلغ الدين العالمي مستوى قياسياً عند 324 تريليون دولار في الربع الأول من عام 2025، مدفوعاً بفرنسا والصين وألمانيا، حسب بيانات معهد التمويل الدولي.
كما أكد التقرير أن استدامة هذا الاقتراض أصبحت صعبة بعد أن رفعت البنوك المركزية الكبرى أسعار الفائدة وأوقفت برامج التيسير الكمي، بل وبدأت بعضها في بيع الديون التي تراكمت لديها، مما يزيد من الضغط التصاعدي على عوائد السندات.
وأفاد التقرير بأن السياسة شكلت عاملاً رئيسياً في تحريك عوائد السندات مؤخراً، بجانب ضغوط الديون. ففي الولايات المتحدة، أشار التقرير إلى انتقادات الرئيس دونالد ترامب المتكررة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لعدم خفض أسعار الفائدة بسرعة أكبر.
وأضاف: “إن المخاوف بشأن استقلالية رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي القادم تُحفز المستثمرين لطلب فائدة أعلى كتعويض، بناءً على افتراض أن الرئيس الجديد قد يضغط لتخفيضات أسرع، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم وارتفاع عوائد السندات مجدداً.
وبحسب التقرير، فإن هذا المزيج من المخاطر العالمية يدفع “علاوة الأجل” (Term Premia) التي يطلبها المستثمرون لعدم اليقين في الاحتفاظ بالسندات لفترة أطول إلى الارتفاع.
وأوضح تقرير الوكالة الأميركية أن الارتفاع المفاجئ في عوائد السندات طويلة الأجل يشكل مشكلة خطيرة؛ فعندما تقفز هذه العوائد، فإنها ترفع تكلفة الرهون العقارية وقروض السيارات وديون بطاقات الائتمان، مما يضغط على الأسر والشركات ويُضعف النشاط الاقتصادي.
وحذر من أن استمرار العوائد المرتفعة سيؤثر تدريجياً على تكلفة اقتراض الحكومات أيضاً، مما قد يؤدي إلى “حلقة مفرغة” أو ما يُعرف بـ “حلقة الهلاك” (Doom Loop)، حيث تتسلق مستويات الدين أعلى بغض النظر عن قرارات الحكومات بشأن الضرائب والإنفاق.
واستدل التقرير بتمرد الأسواق الذي أدى إلى سقوط حكومة رئيسة الوزراء البريطانية، ليز تراس، في عام 2022، كمثال على قوة تأثير الأسواق على الاستقرار السياسي.
وطرح التقرير تساؤلات حول مستقبل الديون المتراكمة خلال 15 عاماً من أسعار الفائدة شديدة الانخفاض. ونقل عن جيمي راش، وتوم أورليك، وستيفاني فلانديرز من بلومبرغ إيكونوميكس، أن السياسة والقوى الهيكلية قد تجعل عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنسبة 4.5 بالمئة هي “الوضع الطبيعي الجديد”.
كما أشار التقرير إلى أن أحد السيناريوهات المحتملة هو الركود التضخمي (Stagflation)، حيث يحدث ارتفاع مفاجئ في الأسعار مصحوب بانخفاض في الناتج الاقتصادي، مما يزيد من حالة عدم اليقين ويجبر البنوك المركزية على الاختيار الصعب بين دعم النمو أو قمع التضخم.
الركود التضخمي والمأزق
وأخيراً، لا يمكن إغفال عامل العرض والطلب؛ فالبنوك المركزية تحولت من مشترٍ للسندات (التيسير الكمي) إلى بائع لها، مما أغرق السوق بالمعروض، من هذه السندات، في وقت تتسابق فيه الحكومات على الاقتراض، وهذا الاختلال يدفع الأسعار للهبوط والعوائد للتحليق، طبقاً لما قاله المصبح.
مصدر قلق للجميع
الأزمة المالية السابقة أظهرت حجم المخاطر التي يمكن أن تضيفها المؤسسات المالية غير المصرفية إلى الاقتصاد، وأن الركود الذي أعقبها تطلب استجابات نقدية ومالية تسببت في مزيد من التشوهات في التمويل وزادت من الدين العام.
وعن التأثير العالمي لدورات أسعار الفائدة الأميركية،
أزمة الديون الأميركية قبل الموعد المتوقع لسببين، هما: دورة خفض أسعار الفائدة على الدولار الأميركي التي من المتوقع أن تُسرع الأزمة، بالإضافة إلى التوجه الشعبوي.












