صوت البلد للأنباء –
في لحظة تختصر معنى الأبوة ووجع السنين، دخل رجلٌ مُتعَب تجاوزته الحياة بملابس باهتة ويدين حفرت فيهما الأيام قسوتها، إلى مكتب دكتور جامعي لا يحمل سوى همٍّ واحد.
أن يطمئن على ابنه، أمله الأخير في هذه الدنيا. لم يكن يعلم أن الحقيقة التي سيسمعها بعد دقائق ستسقط عليه كجبل، وستكشف حجم الصمت الذي عاشه مُصدّقًا أن ابنه يسير نحو النجاح.
يقول الدكتور الجامعي إنه فوجئ ذات يوم برجل كبير في السن يطرق باب مكتبه بهدوء متردد. ملابس الرجل الرثة وابتسامته المتعبة كانتا كفيلتين برسم ملامح حياة قضتها الأيام في العمل الشاق والعناء. صافحه الرجل بيد خشنة تشبه الخشب الذي تشقه الفصول،
وقال بصوت يختلط فيه الرجاء بالتعب: “يا ابني لي ولدٌ يدرس عندكم واقترب تخرجه وجئت لأطمئن عليه.”
وطلب الدكتور منه الجلوس، ثم بادر بالاتصال بالقبول والتسجيل للحصول على تقرير أكاديمي عن الطالب.
دقائق قليلة كانت كفيلة بتغيير المشهد كله؛ فالتقرير أظهر أن الطالب في سنته الرابعة، مسجّل 127 ساعة، لكنه لم ينجح إلا بـ60 ساعة فقط.
تعثّر كبير وخيبة أكبر.
وقف الدكتور حائرًا: كيف سيخبر هذا الأب الذي أكله الزمن، وعلّق كل ما تبقى له من أمل في حياة ابنه، بأن الحقيقة مؤلمة إلى هذا الحد؟ اقترب منه بلطف وقال بصوت خافت: “يا عم… بدنا نحكي بصراحة… ابنك متعثر جدًا.” لم يحتمل الأب الجملة. وضع يده على صدره، ثم شقّ قميصه القديم وكأنه يشق قلبه،
وبكى بكاءً يجرح الحجر. كان يمسح دموعه بكفين متعبتين يخشى الدكتور أن تؤذيا وجهه من خشونتهما. لم يكن المشهد مجرد بكاء… بل انهيار رجل حمل الدنيا على كتفيه ليرى ابنه واقفًا،
فاكتشف في لحظة أن الجهد الذي بذله، والأمل الذي عاشه، كان يُخفي خلفه حقيقة مؤلمة. ويختم الدكتور رسالته قائلاً: “إياكم أن تكسروا هذه القلوب… خلف كل قسط جامعي يد يدفعها أب يتنفس بصعوبة… وخلف كل يوم دراسة رجل يحارب الحياة ليظل ابنه عزيزًا.”












