صوت البلد للأنباء –
في مجتمعاتنا العربية والمحافِظة، يُنظر إلى الحب والزواج غالبًا من منظور تقليدي صارم، حيث يُحاط بالسرية، ويُمنع من التعبير العلني، وتُفرض عليه قيود اجتماعية ودينية صارمة. ومع ذلك، تُظهر الإحصائيات أن أكثر من 60% من حالات الطلاق في السنة الأولى من الزواج تعود إلى ضعف العلاقة العاطفية والجنسية بين الطرفين، وفق دراسة حديثة أجرتها جامعة الأميرة نورة بالتعاون مع مركز الإرشاد الأسري في الرياض (2023).
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لزوجين جديدين، نشآ في بيئة محافظة، أن يبنيا علاقة صحية، مليئة بالثقة، والحميمية، والرضا الجنسي، دون أن يخرقا “الحرمات” أو يُعرّضان نفسيهما للوصم الاجتماعي؟
دراسة على 750 زوجًا حديثًا: العلاقة الصحية لا تعني التمرد، بل الذكاء العاطفي
في دراسة شملت 750 زوجًا حديثًا تتراوح أعمارهم بين 22 و35 عامًا، من دول مثل السعودية، مصر، الأردن، والمغرب، كشف الباحثون أن الزوجات اللواتي يمتلكن حرية التعبير العاطفي داخل المنزل، ولو بشكل خفي، كنّ أكثر رضاً جنسيًا بنسبة 78%، مقارنةً بأولئك اللواتي أخفين مشاعرهن خوفًا من “الفضيحة” أو “اللوم”.
كما أظهرت الدراسة أن الزوجات اللواتي تحدثن مع أزواجهن عن احتياجاتهن الجنسية، ولو برموز أو لغة رمزية، كنّ أقل عُرضة للقلق والاكتئاب بنسبة 65%.
د. خالد عبد الله، عالم اجتماع متخصص في العلاقات الأسرية، يعلّق: “الزواج في المجتمعات المحافظة لا يُبنى على الحب العلني، بل على التفاهم الخفي، والاحترام المتبادل، والذكاء في إدارة الحميمية. العلاقة الصحية لا تعني التمرد على التقاليد، بل تعلم كيف تعيشها دون أن تنفجر.”
الخطوة الأولى: بناء الثقة لا تعني كسر الحدود
في مجتمعاتنا، يُمنع الحديث عن الجنس، حتى بين الزوجين. لكن الدراسة تؤكد أن الزوجين الذين يبنون علاقتهم على الثقة، وليس على الخوف، يحققون رضاً جنسيًا أعلى بنسبة 70%.
الدكتورة نورا توضح: “الثقة لا تعني أن تتحدث بجرأة عن التفاصيل الحميمة مع الجميع، بل أن تخلق فضاءً آمنًا بينكما داخل غرفة النوم. حتى لو لم تقل ‘أريد كذا’ بصوت عالٍ، يمكنك أن تُظهر رغبتك بلغة الجسد، أو بنظرة، أو بلمسة”.
وتشير إلى أن الكثير من الأزواج الجدد يعتقدون أن الصمت دليل على الحياء، لكنه في الواقع قد يكون دليلًا على القمع، ما يؤدي إلى برود جنسي، وتوتر، وانفصال لاحقًا.
كيف تتحدث عن الجنس دون أن تُتهم بالانفلات؟
الدراسة تقدم حلولًا عملية:
استخدم لغة رمزية: مثل قراءة كتاب عن الصحة الجنسية معًا، أو مشاهدة فيلم يحتوي على علاقة زوجية صحية (ولو بشكل غير مباشر)، ثم التحدث عنه كـ”نقد اجتماعي”، وليس كتعبير عن رغبة شخصية.
ابدأ بالجسدي قبل الكلامي: لمسة يد، عناق، قبلة خفيفة – هذه الإشارات تفتح الباب للحميمية دون كلام محرج.
اجعل غرفة النوم “ملاذك الآمن”: لا تُدخل فيها هموم العمل، أو تدخل أهلك دون إذنكما. اجعلها مكانًا يُحترم خصوصيته.
استخدم التكنولوجيا بذكاء: تبادل رسائل حميمة، أو صور رومانسية (ولو غير جريئة)، عبر تطبيقات مشفرة، يمكن أن يعزز الشعور بالقرب.
التحدي الأكبر: التقاليد تقتل الحميمية
تُظهر الدراسة أن 43% من الزوجات الجدد يشعرن بالذنب عند التعبير عن رغبتهن الجنسية، خوفًا من أن يُنظر إليهن على أنهن “جريئات جدًا” أو “غير محتشمات”.
بينما 38% من الأزواج يعترفون بأنهم لا يعرفون كيف يرضون زوجاتهم جنسيًا، بسبب نقص المعرفة، أو الخوف من “المفاجآت” التي قد تُحرجهم.
هنا تأتي أهمية التعليم الجنسي المبكر والمحترم. تقول د. نورا: “إذا لم نُعلّم أبناءنا عن الحب والجنس بطريقة صحية، فسيتعلمون من الإنترنت، من الأصدقاء، أو من الأفلام الإباحية – وكلها مصادر خطرة ومضللة.”
نماذج ناجحة: زواج حديث في قلب التقاليد
تتحدث الدراسة عن حالة زوجين من جدة، تزوجا قبل عامين، ورفضت العائلة أي لقاءات قبل الزواج. لكن بعد الزواج، قرر الزوج أن يُهدي زوجته كتابًا بعنوان “العلاقة الزوجية من منظور إسلامي وصحي”، واقترح أن يقرآه معًا. هذا الفعل البسيط فتح بابًا من الحوار، وأدى إلى تحسن كبير في علاقتهما الجنسية.
“لم نكسر أي قاعدة، لكننا وجدنا طريقة محترمة لنتحدث عما يهمّنا”، تقول الزوجة، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها.
نصائح عملية للزوجين الجديدين:
ابدآ بالحب، لا بالجنس: العلاقات العاطفية القوية تُترجم تلقائيًا إلى حميمية أفضل.
تعلما لغة بعضكما: كل شخص يُحب بطريقة مختلفة – بعضهم يُعبّر بالكلام، والبعض بالهدايا، والبعض باللمس.
راجعا الطبيب أو المختص إذا شعرتما بالبرود أو الألم: لا تستخفيَا، فهذا ليس عارًا، بل جزء من الرعاية الذاتية.
اجعلا الجمعة ليلة خاصة: لا عمل، لا هواتف، فقط أنتما.
الخلاصة: العلاقة الصحية ليست تمردًا، بل توازن
الزواج في المجتمعات المحافظة ليس مستحيلاً، لكنه يحتاج إلى ذكاء عاطفي، وصبر، وشجاعة خفية. لا تحتاج إلى أن تصرخ بحبك في الشارع، ولا أن تكسر التقاليد، فقط أن تبني علاقة داخل منزلك، قائمة على الاحترام، والفهم، والرضا.
كما تختتم الدراسة: “الزواج الناجح ليس الذي لا يُرى، بل الذي يُشعر فيه الطرفان بالراحة، حتى في الخفاء.”
