صوت البلد للأنباء –
كشفت الإخفاقات الأخيرة التي مُنيت بها المنتخبات والأندية الأردنية عن واقع مقلق وخلل ما، يؤكد أن المنتخب الوطني الأول لكرة القدم يمثل حالة استثنائية لا تعكس الصورة الحقيقية لمستوى الكرة الأردنية. فالمشهد الحالي يعكس أزمة حقيقية تتجلى في غياب التوازن، والتراجع الملحوظ في المستوى الفني والبدني، فضلا عن النتائج المخيبة التي حققتها الفرق المشاركة في البطولات القارية.
ويجمع المتابعون على أن منتخب النشامى يملك فرصة تاريخية وغير مسبوقة للتأهل إلى مونديال 2026، مستفيدا من مجموعة متميزة من اللاعبين الذين يشكلون نواة قادرة على استثمار الإمكانيات الكبيرة التي وفرها الاتحاد، كما أن الإنجاز الذي حققه الفريق في بطولة كأس آسيا 2023 في قطر يعد شاهدا على الحضور القوي للنشامى وقدرتهم على المنافسة
في المقابل، تعاني بقية المنتخبات الوطنية والأندية الأردنية من وضع محبط. فقد شهد أسبوع واحد انهيارا لآمال الكرة الأردنية؛ إذ ودّع منتخب الشباب نهائيات كأس آسيا تحت 20 عاما من الدور الأول، رغم استعداداته الطويلة والمبالغ الكبيرة التي أُنفقت لتحقيق حلم التأهل إلى المونديال للمرة الثانية، ما كشف عن فشل الجهاز الفني بقيادة الهولندي بيتر ماينديرسما.
كما لم يتمكن منتخب الناشئات من ترك بصمة جديدة في بطولة غرب آسيا، حيث خسر أمام المنتخب السوري بركلات الترجيح (7-6) في نصف النهائي، بعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل السلبي، ليكتفي بالمركز الثالث بفوزه على البحرين بهدفين، رغم توفر فترة إعداد جيدة.
وتفاقمت خيبة الأمل بخروج فريقي الحسين إربد والوحدات من دور الـ16 لدوري أبطال آسيا أمام الشارقة وشباب الأهلي دبي، في صدمة إضافية للكرة الأردنية، لا سيما أن الفريقين تعرضا للهزيمة داخل أرضهما وأمام جماهيرهما، كما فشلا في التعويض خارج الديار.
ويؤكد متابعو الكرة المحلية أن سياسات اتحاد الكرة ساهمت في هذا التراجع، إذ غابت التشاركية مع الأندية في وضع الخطط والإستراتيجيات، فتم فرض قرارات دون توافق مسبق، مثل قرار بدء الموسم الحالي مباشرة بعد انتهاء الموسم السابق، رغم أن الأندية فضلت التضحية لمصلحة المنتخب الوطني من خلال توفير فترة إعداد مثالية للنشامى.
كما شهدت فرق المحترفين توقفات متكررة خلال الموسم، معظمها خارج أيام “فيفا”، وتأجلت مرحلة الإياب لأكثر من 40 يوما لإقامة معسكرات للمنتخب الوطني دون اللاعبين الدوليين، ما أثر على تحضيرات الحسين إربد والوحدات لمشاركتهما الآسيوية.
ويرى المتابعون أن غياب الخبرات الفنية داخل الاتحاد، وغياب التقييم الموضوعي للأجهزة الفنية للمنتخبات، ساهما في الإخفاقات المتكررة، حيث غالبًا ما تنتهي المشاركات الأردنية بإقالة المدرب بعد سنوات من الدعم دون نتائج ملموسة.
الحسنات: مشاكل متراكمة وحلول غائبة
أكد المدرب الوطني عثمان الحسنات أن واقع كرة القدم الأردنية محزن، ولا يدعو للتفاؤل في ظل غياب حلول سريعة لأزمة حقيقية تضرب منظومتها.
وقال الحسنات “إن الحديث بصراحة وشفافية عن واقع كرة القدم الأردنية بات أمرا ضروريا، خاصة في ظل التراجع المستمر للمنتخبات الوطنية. فمنذ فترة طويلة، لم تترك مشاركات المنتخبات الوطنية، لكلا الجنسين، بصمة إيجابية، حيث جاءت النتائج مخيبة للآمال ومحبطة، بدءا من خروج المنتخب الأولمبي من الدور الأول لكأس آسيا، مرورا بحلول منتخب الناشئات في المركز الثالث ببطولة غرب آسيا بعد خسارته غير المتوقعة أمام المنتخب السوري، بالإضافة إلى وداع منتخب الشباب الحزين لكأس آسيا وخروجه من الدور الأول، وأخيرا مغادرة الحسين إربد والوحدات لبطولة دوري أبطال آسيا”.
وأضاف: “يمكن القول إن المنتخب الأول هو الاستثناء الوحيد، وذلك بفضل استقرار تشكيلته لسنوات طويلة، حيث يتمتع اللاعبون المشاركون فيه بخبرة كبيرة اكتسبوها من الاحتراف والاستمرارية مع بعضهم البعض، مما يمنحهم تفوقا في البطولات المجمعة. لكن الأمر يختلف في التصفيات التي تعتمد على نظام الذهاب والإياب، حيث يظهر ضعف الأداء بسبب العاطفة التي تسيطر على اللاعبين”.
وأشار الحسنات إلى أن “المشكلة الأساسية في كرة القدم الأردنية تكمن في الأندية والاتحاد على حد سواء؛ فالأندية لا تولي الفئات العمرية الاهتمام الكافي، والاتحاد لا ينظم بطولات تنافسية مناسبة لهذه الفئات. كما أن الأكاديميات الخاصة أصبحت أكثر تأثيرا من الأندية، مما أدى إلى بروز المواهب الكروية بشكل أكبر في عمان الغربية، بينما تُهمل المناطق الأخرى، لا سيما الشعبية التي تزخر بالمواهب الواعدة”.
وأوضح أنه “منذ قدوم المدير الفني لاتحاد الكرة أليكس جيتزي، تم استنساخ نظام الأندية السعودي في الأردن، لكن النتيجة كانت سلبية، إذ أدى ذلك إلى تدمير الفئات العمرية بدلًا من تطويرها.
وفيما يتعلق بالتصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال 2026، أكد الحسنات أن “الحظ لعب دورا كبيرا في قرعة المنتخب، حيث جاءت المجموعة سهلة نسبيًا، وكان من المفترض تحقيق نتائج أفضل بكثير. ومع ذلك، فقد المنتخب نقاطًا سهلة، مما يعكس ضعف التخطيط وعدم الاستفادة من الظروف المتاحة”.
أما عن إخفاق منتخب الشباب، فقال: “تم إسناد قيادته إلى مدرب يفتقر تمامًا إلى الخبرة، إذ لم يسبق له تدريب فرق حقيقية، بل اقتصر عمله على مدارس وأكاديميات صغيرة في الصين والسعودية.
واختتم الحسنات حديثه قائلًا: “باختصار، أزمة كرة القدم الأردنية ليست مجرد مشكلة في أداء اللاعبين، بل هي نتيجة لخلل إداري عميق يمتد من الأندية إلى الاتحاد، وغياب التخطيط للفئات العمرية، بالإضافة إلى ضعف المدربين وقلة الاهتمام بالمواهب الناشئة. ما لم يتم إصلاح هذه الأخطاء، سيظل المنتخب يعاني، ولن تحقق الكرة الأردنية أي تقدم حقيقي”.
طعمة: الإصلاح يبدأ من الجذور
من جانبه، قال الخبير الإداري ماهر طعمة: “لا شك أن هناك أزمة، والنتائج تبرهن على التراجع المخيف في مستوى وأداء المنتخبات الوطنية والأندية في المشاركات الخارجية”.
وأضاف لقد حصل اتحادنا على جائزة أفضل اتحاد في آسيا، لكننا لم نحافظ على مكتسباتنا، ولذلك نحن بحاجة إلى إعادة البناء من الصفر.
وتابع: “كرة القدم ليست مجرد “برستيج” أو بدلة وربطة عنق ومكتب فخم، بل هي لعبة الفقراء الذين ظلمتهم برامج الدائرة الفنية. كرة القدم تحتاج إلى دراسة عميقة، وخلوة رياضية، ومؤتمر جاد لرسم خارطة الطريق للمستقبل”.
وأكد طعمة أن “الحل الحقيقي قد يكون مؤلمًا للكثيرين، وهو الهدم وإعادة البناء من جديد. يجب إعادة مراكز سمو الأمير علي والاهتمام بها فنيًا وإداريًا، مع توزيعها بعدالة بين المحافظات. الفئات العمرية في الأندية تعاني كثيرًا، لذا يجب إيلاؤها اهتمامًا خاصًا”.
كما شدد على ضرورة تعيين الأجهزة الفنية والإدارية القادرة على تحقيق الأهداف، وليس مجرد أشخاص يعملون “بالقطعة”. الفئات العمرية تحتاج إلى مدربين أصحاب خبرة، ممن صقلتهم التجارب وعركتهم الظروف الصعبة.
واختتم طعمة حديثه قائلًا: “الجميع يتحدث عن الاستقرار الفني والإداري، لكن الواقع يؤكد أننا لم نحقق هذا الاستقرار بسبب سوء التخطيط. وإذا كنا نبحث عن استقرار حقيقي، فعلينا توفير المال، واختيار الأشخاص الأكفاء، ووضع خطط طويلة الأمد، إضافة إلى دور الإعلام الصادق في تصحيح المسار. ليس عيبًا أن نستفيد من تجارب الآخرين، بل العناد هو العيب. على سبيل المثال، تجربة المغرب تستحق الدراسة، وكذلك تجارب الدول المتقدمة كرويًا. يجب أن نبتعد عن الشخصنة في التعيينات، لأنها مرض خطير يعيق النجاح”.