صوت البلد للأنباء –
خاص- محمد المحتسب
هناك وجوه لا تحتاج إلى ضوءٍ لتُرى لأنها تحمل في ملامحها إشراق التجربة وفي حضورها هيبة الفعل وجوهٌ تمرّ في المشهد العام كأنها تسكن خلف الكواليس لكنها في الحقيقة تصنع النصّ الذي يتقدّم الجميع لقراءته من تلك الوجوه تأتي معالي سوزان عفانة امرأة لا تمشي خلف الحدث بل تسبقه بخطوة من وعي وبمسافة من حكمة حيث تشبه النهر في صفائه والقرار في هدوئه والكلمة حين تخرج من عقلٍ يعرف متى تكون الحقيقة أقوى من الصخب .
ليست من الذين يرفعون شعاراتهم في الساحات بل من الذين يزرعون أفكارهم في الأرض لتُثمر واقعًا حيث لم تتكئ يومًا على منصبٍ أو لقبٍ لتُعرف لأن حضورها أعمق من المظهر وأبقى من اللحظة حيث حين تتحدث تشعر أن الكلمات تعرف طريقها جيدًا وأنها تأتي من تجربةٍ راكمت الخبرة دون غرور والفهم دون استعراض وحين تعمل تدرك أن الصمت أحيانًا أبلغ من الخطابة وأن التأثير الحقيقي لا يُقاس بما يُقال بل بما يبقى بعد أن ينتهي الحديث .
سوزان عفانة ليست مجرّد اسمٍ في سجلّ الحضور النسائي الأردني بل حالة فكرٍ تُمثّل جيلًا كاملًا من النساء اللواتي اخترن الطريق الأصعب وطريق الفعل الهادئ والبناء الصامت والإنجاز الذي لا يحتاج إلى إعلان فهي واحدة من أولئك الذين يثبتون أن الهدوء يمكن أن يكون شكلًا من أشكال القوة وأن الأنوثة حين تمتزج بالوعي تتحوّل إلى طاقة تُغيّر المشهد دون أن تُحدث ضجيجًا .
من يتأمل مسيرة سوزان عفانة يدرك أنه أمام تجربة نضجت على مهل بعيدًا عن أي ضوءٍ زائف لم تنتظر أن يمنحها أحد الفرصة بل خلقتها بجهدٍ وإصرارٍ ووعي حيث في كل موقعٍ كانت فيه تركت خلفها ما هو أعمق من الأثر الوظيفي تركت فكرًا إداريًا مختلفًا ولغةً جديدة في فهم القيادة والعمل العام حيث لم تكن يومًا مؤمنة بالطرق المختصرة بل بالخطوات المدروسة التي تُبنى على معرفةٍ وتجربة ولهذا كانت كل مرحلة من حياتها امتدادًا لما قبلها لا قطيعةً معه .
من يعرف سوزان عفانة يدرك أنها لا تُقاس بالمناصب التي تقلّدتها بل بالمنهج الذي حملته معها أينما ذهبت حيث كانت ترى أن المنصب لا يضيف إلى صاحبه بقدر ما يكشف عمّا بداخله وفي كل بيئة عملٍ قادتها تركت وراءها روح الفريق بدل ثقافة الفرد والمبادرة بدل التلقين والفكر بدل الاستعراض فهي من القلائل اللواتي فهمن أن الاتصال ليس مجرد واجهةٍ إعلامية بل جسرٌ بين المؤسسة والمجتمع وأن الصورة لا تكفي إن لم يدعمها مضمونٌ صادق .
لقد تعاملت مع مواقعها بوعي استراتيجي جعل منها رائدة في صياغة مفهوم جديد للمسؤولية المؤسسية حيث كانت ترى أن النجاح الحقيقي هو حين تُحدث فرقًا في بيئة العمل وحين يتحوّل القرار الإداري إلى حالةٍ من التحفيز والإيمان الجمعي لا إلى سلطةٍ فوقية .
لم تكن قيادتها صاخبة لكنها كانت مؤثرة حيث تُفضّل الحوار على الصدام وتؤمن بأن الإقناع الهادئ أكثر رسوخًا من الأوامر العالية وفي بيئاتٍ تتكاثر فيها الأصوات كانت تختار أن تُسمِع الفكرة لا الصوت حيث تضع كل خطوةٍ في مكانها الصحيح وتُدرك أن الإنجاز ليس في السرعة بل في الثبات والدقة والصدق مع الذات .
هذا النمط من القيادة هو ما جعلها موضع تقدير من كل من عمل معها لأنها كانت تعرف أن الفريق هو رأس المال الحقيقي لأي نجاح وأن كل إنجازٍ فردي يذوب أمام روح العمل الجماعي حيث بهذا الوعي المتوازن تحوّلت إلى نموذجٍ قياديٍ يُحتذى به في محيطها ليس لأنها تسعى لذلك بل لأن الناس يرون في هدوئها ما يفتقدونه في زمن الضجيج .
لم تتحدث سوزان عفانة عن تمكين المرأة كقضيةٍ تخصّها وحدها بل كملفٍ وطني يرتبط بقدرة المجتمع على التطور والتوازن حيث كانت ترى أن المرأة لا تحتاج إلى امتيازٍ خاص بل إلى فرصةٍ عادلة وأن العدالة في الفرص أهم من التمييز الإيجابي حيث في رؤيتها لا معنى للحديث عن تمكين المرأة إن لم يكن مصحوبًا بتمكين الفكر والتعليم والمهنية لأن المساواة لا تُقاس بالكلام بل بالقدرة على الإنجاز في الميدان ولهذا ظلّت دائمًا تدعو إلى أن تُمنح النساء مواقعهن بالاستحقاق لا بالمجاملة وبالكفاءة لا بالتزكية.
حين تغيب البوصلة وتكثر الاتجاهات تظهر سوزان عفانة كاتجاهٍ واحدٍ نحو الفكرة الصافية والعمل الحقيقي حيث لم تركض خلف الأضواء بل جعلت الضوء يأتي إلى الفكرة وإن غابت عن المشهد الإعلامي بقيت أفكارها حاضرة في كل مكانٍ عملت فيه من خلال فرقٍ تربّت على مبادئها في المسؤولية والشفافية واحترام العمل الجماعي فهي لا تُكتب عنها المقالات لأنها تبحث عن الأضواء بل لأن حضورها نفسه يصبح مادةً للتحليل ونموذجًا يُشار إليه بالبصمة لا باللقب .
في النهاية تبقى سوزان عفانة واحدة من النماذج الأردنية التي تؤكد أن الهدوء ليس ضعفًا بل أسلوبٌ راقٍ في صناعة القوة هي سيدة أثبتت أن الذكاء ليس في الصراخ ولا في كثرة الظهور بل في القدرة على أن تترك أثرك دون أن تفرض نفسك وحين تُذكر الأسماء التي بنت حضورها على الفكر والصدق والمسؤولية سيبقى اسمها حاضرًا بهدوءٍ يشبهها وثقةٍ تشبه وعيها وإيمانٍ بأن كل ما يُبنى بالعقل يبقى وكل ما يُصنع بالضجيج يزول مع أول صمت .












