صوت البلد للأنباء –
في عالم يركز الإعلام على ما يُسمّى بـ”أزمة العزلة لدى الرجال” أو “العناية بالرجل” (mankeeping)، غالبًا ما تُغفل الحقيقة الأعمق: عندما يتعلق الأمر بإيجاد علاقات ذات معنى، النساء قد يكنّ أكثر وحدةً من الرجال.
قبل بضع سنوات، واجهت مؤلفة هذه المقالة شجارًا عنيفًا مع والدتها، ما جعلها مستلقية على أرض الحمام باكية، تبحث في هاتفها عن صديقة يمكن أن تخفف عنها هذا الحزن. رغم وجود عشرات الأسماء على الهاتف من زميلات الجامعة، إلا أن معظم تلك الصداقات كانت سطحية، لا تصلح لدعم عاطفي حقيقي في لحظة ضعف أو أزمة شخصية.
الإحصاءات تكشف الحقيقة
تشير الدراسات إلى أن حوالي واحد من كل ستة أمريكيين يشعر بالوحدة أو بالعزلة معظم الوقت، وفقًا لمركز بيو للأبحاث. كما أظهرت حملة “لإنهاء الوحدة” أن الأشخاص تحت سن الثلاثين هم الأكثر شعورًا بالوحدة، وأن النساء أكثر عرضة للعزلة المزمنة مقارنة بالرجال.

مع ذلك، يركز الإعلام غالبًا على الرجال وحدهم. قصص عن شبان دائمًا على الإنترنت، أو منفصلون اجتماعيًا، توحي بأن أزمة الوحدة تؤثر على الرجال بشكل أكبر. تُبرز المقالات عناوين مثل: “هل الرجال بخير؟” أو “هل الحل لعزلة الرجال في ملاعب البيكل بول؟”، مما يعطي انطباعًا بأن النساء أقل وحدة، وهو أمر بعيد عن الحقيقة.
ضغط اجتماعي مزدوج على النساء
توضح أخصائية العلاج النفسي أليسا بيترسيل أن “النساء يتعرضن لضغط اجتماعي كبير لإقامة علاقات صداقة عميقة وذات معنى”، بينما يميل الرجال إلى تخفيف شعورهم بالوحدة عبر أنشطة جماعية مثل مشاهدة الرياضة مع الأصدقاء. النساء يقارنّ جودة علاقاتهن بمعايير عالية، وإذا لم تتحقق هذه المعايير، يشعرن بالفشل الشخصي.
الدكتورة لورين كيروين، عالمة نفس سريرية، تضيف: “الوحدة لدى النساء غالبًا ما تكون وجودية: نعرف الكثير من الناس، لكن من يعرفنا حقًا؟” في حين أن الرجال قد لا يلومون أنفسهم على العزلة، النساء كثيرًا ما يشعرن بالخجل والضغط الثقافي ليكن صديقات ممتازات دائمًا.
الوحدة عبر التاريخ والثقافة
ليست الوحدة ظاهرة حديثة، فقد واجهتها نساء بارزات مثل إميلي ديكنسون وإميلي برونتي، اللواتي عاشن في عصر كانت فيه فرص العمل والتعليم للنساء محدودة، وكان من الصعب إقامة صداقات عميقة خارج إطار المنزل. هذه العزلة الثقافية تعلم النساء إخفاء مشاعرهن وراء مظهر حياة مثالية، سواء على منصات التواصل الاجتماعي أو في الإنجازات الأكاديمية.
حلول عصرية: الصداقة بعيدة المسافة
على الرغم من صعوبة تكوين صداقات عميقة، وجدت المؤلفة حلاً مبتكرًا و”قديم الطراز” في الوقت نفسه: المراسلة البريدية. من خلال برنامج Penpalooza، أصبحت صديقة مقربة تتشارك معها التفاصيل الشخصية والمشاعر اليومية، رغم آلاف الكيلومترات الفاصلة بينهما.
تثبت هذه التجربة أن الصداقة الحقيقية لا تتطلب القرب الجغرافي، وأن العلاقات النسائية يمكن أن تزدهر رغم التباعد، طالما كانت مبنية على الانفتاح والثقة والدعم المتبادل.
الوحدة الرقمية والفرص الجديدة
بينما يمكن للعالم الرقمي أن يكون محفوفًا بالمخاطر للشباب الرجال المعزولين، فإن النساء يجدن فيه فرصة لإيجاد صديقات حقيقيات، مشاركة التجارب، والاحتفال بالنجاحات اليومية. الصداقة عبر المراسلات أو المنصات الرقمية تثبت أن الوحدة ليست محكومًا عليها بالعزلة، وأن النساء قادرات على خلق روابط عاطفية عميقة بوسائل متنوعة.
على الرغم من الإعلام الذي يركز على عزلة الرجال، تبقى الحقيقة أن النساء يعانين من الوحدة بطرق عميقة ومعقدة. ومع وعيهن وإبداعهن، يمكنهن تجاوز هذه العزلة من خلال بناء علاقات ذات معنى، سواء كانت قريبة أو بعيدة.












