صوت البلد للأنباء –
في عالم العلاقات المعقّدة والمتغيّرة، يبقى سؤال “هل من المقبول ممارسة الجنس مع الشريك السابق؟” من أكثر الأسئلة إثارة للجدل. فبين من يرى في الأمر مجرد حنين للماضي، ومن يعتبره خطوة عاطفية خطيرة، تباينت الآراء الشخصية، بينما حاولت الأبحاث النفسية تقديم إجابات أكثر عمقًا ودقة.
عودة جسدية أم عاطفية؟
في دراسة نشرتها مجلة Archives of Sexual Behavior عام 2023، تبيّن أن أكثر من 40% من الأزواج الذين انفصلوا عادوا لممارسة العلاقة الحميمة مرة واحدة على الأقل بعد الانفصال. ورغم أن بعضهم رأى في الأمر مجرد تفريغ جنسي أو نوع من “الوداع الجسدي”، إلا أن نسبة كبيرة ربطت التجربة بمشاعر مختلطة، من الأمل إلى الندم.
توضح الباحثة النفسية “جوليا سايمون” من جامعة تكساس:
“الناس غالبًا لا يبحثون فقط عن الجنس مع الشريك السابق، بل عن استعادة الشعور بالألفة أو الانتماء الذي افتقدوه. هناك عنصر عاطفي دفين حتى في الحالات التي توصف بأنها ‘جنسية فقط’.”
ما دوافع الجنس مع الشريك السابق؟
تظهر الأبحاث أن الدوافع تختلف حسب الشخص والسياق، ومن أبرزها:
الراحة والاعتياد: العلاقة الحميمة مع شخص مألوف تشعر البعض بالأمان، خصوصًا بعد انفصال مؤلم.
الحنين العاطفي: الرغبة في استرجاع لحظات قريبة من القلب، حتى لو كانت مؤقتة.
الإغلاق العاطفي: يعتقد بعض الناس أن الجنس قد يساعدهم على إنهاء العلاقة بشكل “أكثر لطفًا”.
الملل أو الوحدة: في حالات الانفصال غير المرتب، قد تدفع العزلة البعض للعودة المؤقتة.
ووفقًا لدراسة من جامعة وايومنغ الأمريكية (2022)، فإن 70% من الأشخاص الذين عادوا للجنس مع شريكهم السابق، لم يعودوا للعلاقة العاطفية الكاملة، ما يعني أن العودة الجسدية لا تعني بالضرورة عودة العلاقة.
الفوائد المحتملة
رغم التحذيرات، أظهرت بعض الدراسات أن ممارسة الجنس مع الشريك السابق ليست دائمًا ضارة، خاصة إذا تمت ضمن وعي عاطفي واتفاق واضح بين الطرفين.
دعم عاطفي مؤقت: في بعض الحالات، يمكن أن يساعد الجنس مع الشريك السابق على تخفيف مشاعر الوحدة أو الاكتئاب بعد الانفصال.
تعزيز الهوية الجنسية: قد يستعيد الشخص من خلال العلاقة الحميمة شعوره بالجاذبية والثقة بالنفس.
توضيح العلاقة: يرى بعض الباحثين أن هذا النوع من التواصل يساعد الطرفين على تحديد ما إذا كانت العلاقة انتهت فعلاً أم أن هناك فرصة للإصلاح.
وقد بيّنت دراسة نشرتها Personality and Social Psychology Bulletin عام 2023، أن بعض الأشخاص الذين عادوا للشريك السابق بشكل مؤقت شعروا بارتياح أكبر مقارنة بمن قطعوا العلاقة بشكل مفاجئ وجذري، بشرط أن يكون الانفصال أصلاً غير سميّ أو مؤذٍ.
المخاطر النفسية والاجتماعية
لكن في المقابل، لا تخلو هذه التجربة من آثار جانبية، قد تؤدي إلى تشتت عاطفي أو تأخير في الشفاء من الانفصال. ومن أبرز السلبيات:
إطالة مرحلة الحزن: العودة الحميمة قد تعيق الشخص عن تجاوز العلاقة عاطفيًا وتُبقيه في دوامة من التعلّق.
التعلق الكاذب: قد يظن أحد الطرفين أن العودة الجسدية تعني نية للعودة العاطفية، ما يؤدي لاحقًا إلى خيبة أمل.
الارتباك الذهني: التناقض بين العقل والجسد قد يُربك الشخص نفسيًا، فيشعر بالذنب أو الندم.
تأثير سلبي على العلاقات المستقبلية: استمرار العلاقة الحميمة مع الشريك السابق قد يمنع الطرفين من الانفتاح على تجارب جديدة.
الدكتورة “ليندا روبرتس”، المختصة في العلاقات الزوجية من جامعة ويسكونسن، تحذّر:
“في حال كان الانفصال مؤلمًا أو ناتجًا عن خيانة أو عدم احترام، فإن العودة الجسدية قد تُعيد فتح الجراح، وتؤخّر عملية التعافي النفسي.”
متى يمكن أن تكون العودة الجنسية صحية؟
بحسب التوصيات النفسية، يمكن اعتبار العلاقة الحميمة مع الشريك السابق “مقبولة” في الحالات التالية:
الانفصال كان ناضجًا ومتفقًا عليه.
كلا الطرفين مدرك بأن العلاقة قد انتهت ولن تعود.
لا وجود لمشاعر حب عميقة ما زالت قائمة.
لا يتعارض الأمر مع قيم أو أهداف الشخص المستقبلية.
وجود اتفاق واضح بعدم التسبب بالأذى النفسي للطرفين.
في هذه الحالة، قد تكون التجربة قصيرة الأمد غير مؤذية، بل داعمة نفسيًا في فترة الانتقال.
ماذا يقول المختصون؟
توصي الجمعية الأمريكية للعلاج السلوكي المعرفي (ABCT) بعدم اتخاذ قرار العودة للعلاقة الجسدية مع الشريك السابق أثناء فترات الضعف العاطفي أو الاكتئاب. كما تُشجّع على:
التقييم الذاتي قبل اتخاذ القرار.
مراجعة الأسباب التي أدّت إلى الانفصال.
التحدث مع مختص نفسي إذا لزم الأمر.
ممارسة الجنس مع الشريك السابق ليست فعلًا يمكن تصنيفه بـ”الصحيح” أو “الخطأ” بشكل مطلق. إنما هو قرار شخصي يعتمد على السياق، والوعي، والتوازن النفسي.
الخطورة لا تكمن في الفعل بحد ذاته، بل في تجاهل المشاعر غير المُعالجة التي قد تُعيد الشخص إلى دائرة الألم.
إذا كنت تفكر في العودة الحميمة لشريكك السابق، اسأل نفسك:
هل أبحث عن متعة مؤقتة؟ أم أهرب من ألم لم أواجهه بعد؟
فالنية، كما يقول علماء النفس، قد تُحدّد تمامًا تأثير التجربة عليك.












