صوت البلد للأنباء –
قال الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي زكي بني ارشيد إن إسرائيل ليست قوية بذاتها، فهي تستمد معظم زخمها من منظومة دعم غربي غير مشروط، يتصدرها الغطاء الأميركي الشامل، سياسيًا، وعسكريًا، وإعلاميًا. وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة “أخبار الأردن” الإلكترونية أن هذا الدعم شكّل رافعة استراتيجية لنهجها القائم على التمرد المستمر على القانون الدولي، والتنمر الفاضح على الشعوب المستضعفة، والغطرسة المنظمة باسم “الأمن القومي”، في ظل صمت دولي متواطئ أو عاجز في أحسن الأحوال. وبيّن بني ارشيد أن الصمود الفلسطيني، الذي بات اليوم ظاهرة وجودية متجاوزة للحدود الجغرافية والبشرية، أطاح بالمنطق الكلاسيكي لهذا الدعم، وأعاد ترتيب ميزان الفاعلية في الميدان، فما يزيد عن ثمانية عشر شهرًا من الحرب المفتوحة على غزة لم تُفضِ إلى شيء سوى المزيد من التآكل في صورة إسرائيل الاستراتيجية، وانكشاف عجزها عن تحقيق أي من أهدافها المعلنة، سواء على مستوى استعادة الردع، أو تفكيك البنية التنظيمية للمقاومة، أو حتى فرض معادلة سياسية جديدة. وأشار إلى أن بنيامين نتنياهو، الذي كان يفاخر بعلاقاته القوية ورفضه لأي ضغوط خارجية زمن الإدارات الديمقراطية الأميركية السابقة، انكفأ اليوم ليصبح مجرد منفذ صامت لتوجيهات الرئيس دونالد ترام، إذ تراجعت لغة التحدي، وغابت الحركات الاستعراضية التي طالما استُخدمت لتكريس “استثنائية إسرائيل”، لتحلّ محلها لغة براغماتية متوترة، تؤشر إلى مأزق داخلي لا يُستهان به. واستطرد بني ارشيد قائلًا إن النتائج التي تفرزها هذه الحرب لا تقاس فقط بعدد الشهداء أو حجم الدمار، وإنما بفشل إسرائيل في صناعة نصر سياسي يُحوّل جرائمها إلى مكتسبات، فحتى اللحظة، لا يمكن الحديث عن أي اختراق استراتيجي يُغيّر قواعد اللعبة، ذلك أن الوقائع تُشير إلى أن مفاعيل الإبادة الجماعية والجرائم الممنهجة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بدأت تتحول إلى أدوات مساءلة دولية، تطارد نتنياهو سياسيًا، وتُحاصر إسرائيل أخلاقيًا في المحافل الدولية. وتابع أن مظاهر العزلة بدأت تتجلى بوضوح على مستويات متعددة، من حملات المقاطعة المتصاعدة، إلى تصاعد الأصوات داخل برلمانات العالم للمطالبة بتجميد العلاقات أو الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية، وصولًا إلى اهتزاز صورة إسرائيل كدولة “قانون ومؤسسات” أمام الرأي العام العالمي، وهو ما يُعيد سؤال الشرعية الأخلاقية إلى الواجهة من جديد. إن الجيش الإسرائيلي، الذي طالما قُدّم كجهاز متماسك وذو هيكل انضباطي صلب، بدأ يعاني من بوادر تفكك جزئي في بنيته النفسية والتنظيمية، تُرجمت مؤخرًا في عريضة غير مسبوقة وقّعها أكثر من ألف ضابط من سلاح الجو، تدعو إلى وقف العدوان وإنهاء الحرب فورًا، وهي رسالة تهدد بتقويض الإجماع العسكري ذاته الذي طالما وفّر غطاءً للقرارات السياسية المتطرفة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة “أخبار الأردن” الإلكترونية. ولفت بني ارشيد الانتباه إلى أن مصير نتنياهو – وهو الذي راهن على الحرب لتأمين مستقبله السياسي – بدأ يُشبه في ملامحه ما آلت إليه نهاية أريئيل شارون، الذي دخل الغيبوبة السياسية بعد أن استُهلكت سرديته العسكرية ولم تعد مقبولة حتى داخل اليمين الإسرائيلي، ومن هنا، فإن المسار المتوقع بعد انسحاب الاحتلال من غزة – الذي بات حتميًا من منظور الاستنزاف السياسي والميداني – سيُمهّد الطريق لغزة كي تبدأ رحلة ما بعد الكارثة، ليس فقط في إعادة الإعمار المادي، وإنما في إعادة ترسيخ سردية النصر الأخلاقي، وبناء مشروع وطني جامع يقاوم الإبادة بالصمود، ويرد على العزلة بالتماسك. واختتم حديثه بالقول إن إسرائيل، التي سعت إلى سحق الروح الفلسطينية تحت الأنقاض، وجدت نفسها محاصرة بسؤال الوجود، ومطاردة بأصداء الجرائم، ومكشوفة على واقع لم تكن مستعدة له، وهو أن المقاومة لم تنكسر، وأن الاحتلال لم ينتصر.