صوت البلد للأنباء –
منذ ان أراد العرب في مؤتمر الرباط سنة 1974 تنصيب منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني دخلت القضية الفلسطينية في منعطفات وانكفاءات خطيرة ، تكرس خلالها الفساد، وتعظيم فصائل وعصابات”الأبوات “، كما تكرست صناعة الولاءات وعبادة الفرد الواحد، وكثرت الإخفاقات والخسائر..
أحد أبرز تلك الانتكاسات ومن أهم نتائجها البروز المبكر لسياسة الانفتاح على العلاقة مع إسرائيل عبر رجالات السلام، وفي مقدمتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يعترف في كتابه “طريق أوسلو ” كيف بدأ بنفسه التفكير في إقامة علاقات مباشرة مع اسرائيليين محسوبين على اليسار الاسرائيلي، بعد تسلمه مهمة التعبئة والتنظيم في حركة فتح قائلا إنه بين سنة 1970 الى سنة 1977 أصبح يفكر بالعمل”على الاتصال بالقوى الاسرائيلية لإجراء حوار معها للوصول الى السلام” وهي الفكرة التي بدأت تلح عليه منذ سنة 1970.
ويضيف السيد عباس إن العديد من القيادات عارضت الفكرة لأنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن “اسرائيل”، بينما أيَّدها آخرون وآمنوا بتلك الافكار لكنهم دفعوا حياتهم ثمنا لها مثل سعيد حمامي ، مندوب فلسطين لدى انكلترا، وعز الدين القلق مندوب فلسطين في فرنسا ونعيم خضر مندوب فلسطين في بلجيكا، وعصام سرطاوي الذي كان مكلفا من قبلي بالاتصال بالقوى الاسرائيلية الداعية للسلام”.
اذن الرئيس الحالي لسلطة رام الله السيد محمود عباس ظل وفيا لـ “عظمة السلام مع اسرائيل ” منذ 53 سنة مضت، أي منذ كان يرتع في الصبا ونعمة الشباب، وكلنا يتذكر كيف استقال من منصبه كاول رئيس للوزراء في السلطة وما قاله المرحوم ياسر عرفات معلقا على استقالته الطويلة.
ولست هنا بصدد الانتقاص من افكار ونهج السيد عباس ولكن من المفيد التأكيد ان تلك الافكار لم تجلب للشعب الفلسطيني غير الدمار، ومن هنا تبدو نتائج اختبار تلك الافكار على الارض أكثر من سيئة ولا اراها تتوافق مع افكار وعقل رئيس لشعب، بالرغم من انها قد تتناسب مع افكار اي احد ليس في السلطة المهيمنة، ولا يملك اية قوة ليفرضها على شعبه
في حرب الابادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال الصهيوني على الفلسطينيين في غزة قال السيد عباس ان حماس لا تمثل الفلسطينيين، وهكذا تبرأ من حماس تماما قائلا ان من ثمل الفلسطينيين هي “م.ت.ف “، وأدان هجوم حماس على مغتصبات غزة، ثم كرر ذلك تباعا ربما كان آخرها في لقائه مع الفاشستي الفرنسي ماكرون.
تصريحات السيد عباس حول المتلازمة المرضية لشرعية المنظمة باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني تتكسر تماما أمام صراخ الفلسطيني تحت رماد غزة، وداخل المجزرة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة بينما ممثلهم”الشرعي” ينام في حضن السلام وكأن من يقتلون ويذبحون في غزة مجرد بقايا الهنود الحمر،أو مجرد قطعان من الحيوانات الهاربة من حديقة الحيوان كما ينعتهم وزير الدفاع الصهيوني.
في كل المنعطفات الخطيرة للقضية الفلسطينية تبرز “م.ت.ف” كأحد أبرز مسببات تلك الانتكاسات التي ساهمت بدحرجة القضية الفلسطينية خطوات بعيدة المدى للخلف، وكأنها من حيث تدري او لا تدري تقدم خدماتها المجانية لدولة الاحتلال، وهذا ما تفعله الآن مجموعة البقالات التي تنتهج سياسة “المانيفاكتوره ” الوطنية ،والبيع بالتجزئة، والتزام الصمت البغيض الذي تريد من ورائه تقديم الدعم اللامحدود للعدو الصهيوني لتخليص”م.ت.ف” من كابوس حماس، وإسكات كل صوت مقاوم في غزة او حتى في الضفة التي تهيمن سلطة المنظمة على تضاريسها وتسوم المواطنين بسياسة العصا والترهيب فتقمع كل صوت فلسطيني يريد مجرد الصراخ في وجه دكتاتورية الثوري”الوطني “.
دولة الاحتلال في نازيتها وفاشيتها وإرهابها وقتلها الوحشي للفلسطينيين في غزة، تقدم وجبة دسمة للسلطة الفلسطينية في رام الله متخمة تماما برائحة الثأر من حماس، وبتوابل امنيات رام الله بالعودة الى غزة ظافرة ومنتصرة لتكون البديل الجديد لحماس لاستكمال مسلسل السلام الأوسلوي لإنهاء القضية الفلسطينية ونقلها من الملفات الساخنة الحية الى ثلاجات الوثائق والموتى.
يقول السيد عباس في “طريق اوسلو ” إن منظمة التحرير” ولدت من رحم الانظمة العربية ولم تكن تلك الحاجة التي تلبي رغبات الجماهير لقناعة هذه الجماهير ان ما تمخضت عنه الانظمة لا بد ان يكون على شاكلتها يحمل في بطنه جينات عجزها “، ولا تعليق لدي لكن أتساءل عن أي عجز يتحدث السيد عباس وقد أصبحت سلطته مجرد شرطي يمنع الفلسطيني في الضفة حتى من حرية “البول” على علم “اسرائيل “و”حرية القول ” لأن التنسيق الأمني مع الاحتلال أكثر نجاعة من خسائر “النضال “.
وبالنتيجة فلعلها المرة الأولى في حياتي التي اسمع فيها من يتبرأ وبدم بارد من نصف شعبه