صوت البلد للأنباء –
كيف يمكن لإنسان ان يتقبّل مذبحة المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، حيث قتلت اسرائيل نحو 500 مدني من الجرحى وذويهم والطاقم الطبي والإداري في المستشفى التابع للكنيسة المعمدانية. إنّه لحدث فوق القدرة على التحمّل.
في حرب العام 1996 على لبنان، قصفت إسرائيل مقراً للقوات الفيدجية في بلدة قانا، كان لجأ اليه مئات المواطنين الهاربين من حمم القذائف والصواريخ التي استهدفتهم في منازلهم. يومها كانت تلك المجزرة نقطة تحوّل في الحرب التي ارتكب فيها الإسرائيلي سلسلة مجازر في النبطية والمنصوري، طافت صور ضحاياها من الأطفال والنساء والعجائز العالم. دفعت تلك المجزرة التي سقط فيها أكثر من 100 ضحية العالم، إلى السعي لوقف العدوان على لبنان. وبالفعل تمّ ذلك وتمّ التوصل إلى “تفاهم نيسان” برعاية دولية وبجهد استثنائي من الرئيس رفيق الحريري وتدخّل مباشر من الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد.
المجزرة هي أداة إسرائيل المفضّلة. قام هذا الكيان على المجزرة منذ ما قبل قيامه رسمياً. وما أشبه اليوم بالأمس. لا شيء تغيّر في العقلية التي قام عليها هذا الكيان. زعماؤه اليوم يفكرون تماماً مثل أولئك الذين قدموا من أوكرانيا وألمانيا وبولندا وروسيا في الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، مدفوعين بحقد على اوروبا التي اضطهدتهم طويلاً لينفثوا حقدهم في شعب لا دخل له لا من قريب ولا من بعيد بما يسمّونه الهولوكوست.
يأتي بايدن إلى المنطقة وتتكثف اللقاءات والاتصالات العقيمة، فيما آلة القتل تواصل حصد الأرواح وكأنّها في سباق مع الوقت لمضاعفة أعداد القتلى والجرحى الذين صاروا بالآلاف، في حصيلة مرعبة لحرب غير متكافئة تشنّها إسرائيل وحلفاؤها على غزة، وأياً كانت الحجة، فإنّ ما يُمارس من عنف هو أقسى بكثير مما يمكن لبشر تحمّله.
ليس الأمر سياسة، وماذا يُكتب في السياسة. هل يكتب المحلّلون عن التطبيع أم عن إيران أم عن المفاوضات أم عن مستقبل غزة بعد تدميرها أم عن الترانسفير أم عن مصير “حماس”، وأين اصبحت وحدة الساحات؟. لم يعد الأمر سياسة، انّها جريمة موصوفة ترقى إلى إرهاب الدولة. لا سياسة بعد اليوم. وماذا يفعل السياسيون إزاء هذا الإجرام؟ كيف يتواطأ العالم على قصف المستشفى وعلى كل الدماء التي تُسفك؟ من سيزيل الحقد في المستقبل؟. من سيقنع هذا الفلسطيني المذبوح بالسلام والتعايش؟
الإسرائيلي لا يريد سلاماً ابداً. هذه مزحة سمجة. نتنياهو ليس رجل سلام. وقبله لم يكن هناك رجال سلام في اسرائيل،من؟ شيمون بيريز بطل مجزرة قانا أم أرييل شارون أم مناحيم بيغين أم اسحاق شامير أم موشي دايان أم غولدا مائير أم بن غوريون أم ليفي اشكول أم موشي شاريت؟ حتى إسحاق رابين الذي قاد مفاوضات أوسلو كان ارهابياً في عصابات القتل. لقد آن الأوان ليدرك العالم انّ خطيئته لا تُغتفر.
لقد تخطّت الحرب الإسرائيلية كل الحدود. هي حرب إبادة بكل ما للكلمة من معنى. حرب مليئة بالحقد العنصري والديني وبالرغبة في الانتقام الدموي المريع. ما عادت تنفع التوصيفات التقليدية ولا التحليلات العسكرية والسياسية. هي ليست حرباً بين قوتين عسكريتين، بل حرب تشنها قوة منتشية بتفوقها العسكري والدعم الغربي الرسمي الأعمى وبغلاظة قلوب قادتها على شعب أعزل محاصر من كل الجهات.
ماذا يفعل العالم حيال هذه المذبحة؟ لا شيء تقريباً. صمّ بُكم عميّ فهم لا يفقهون.
يا إلهي ما هذا الصمت المريب. بل ما هذا التواطؤ مع القاتل؟ لقد فقدت الإنسانية معناها. سقطت كل الأقنعة عن الوجوه الجليدية الكاذبة. أين فرنسا وإنسانيتها المزعومة، وأين بريطانيا وألمانيا وحقوق الإنسان؟ دعكم من بايدن فهو اسرائيلي، وباعترافه، كمعظم الرؤساء الأميركيين السابقين (واللاحقين).
نعم، تسقط الأقنعة وتُعمى العيون عن حرب إبادة تدمّر الحجر على رؤوس البشر، او لعلّ هذه العيون تستمتع برؤية الدم المسفوك بدم بارد.
يا الله، بماذا يشعر الطيار الذي يقصف مستشفى فيقتل ويجرح مئات الأطفال والنساء والرجال. هل سيخبر بعد 50 عاماً كيف أهرق الدم وهو يتفرج من طائرته على هذا الدمار الرهيب؟ هل سيخبر كما فعل أجداده قبل 75 عاماً في قرية الطنطورة الفلسطينية؟ هؤلاء الذين ظهروا في فيديو يتحدثون ضاحكين بصلافة وقلّة ضمير كيف قتلوا جميع اهل القرية العزّل بدم بارد وأزالوها من الوجود مثلها مثل مئات القرى التي شرّدوا أهلها.