صوت البلد للأنباء –
كريستين حنا نصر
يجسد الخطاب الملكي لجلالة الملك عبد الله الثاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، قراءة شمولية دقيقة ومدركة لأبعاد كل ما يجري في العالم من أحداث متدحرجة، وهذه الدراية الملكية جاءت مضامينها حول ما يجري في العالم بشكل عام ومنطقتنا واقليمنا المشتعل بشكل خاص.
وفي خطاب جلالته التاريخي مؤخراً أمام زعامات وقيادات العالم، وبكل موضوعية وصراحة يقف جلالته على حقيقة خطيرة، وهي أنه وعلى مدى ربع قرن وهو يخاطب العالم من على منصة الجمعية العامة والحروب والصراعات والأحداث الاقليمية المضطربة دائرة في العالم كله، ولكن المرحلة الحالية أكثر تعقيداً واضطراباً وقد اتضح من كلمات خطاب جلالته شعوره بالغضب والانزعاج لما يجري من صراعات في العالم والمنطقة، بما في ذلك واقع ما يجري في غزة من صراع دامي بين حماس واسرائيل، أحداث ومجريات عصيبة تأتي بالرغم من ادانة العالم بما فيه الأردن لأحداث السابع من تشرين الأول/ اكتوبر عام 2023م، وما خلفته من قتلى لمدنيين اسرائيليين، ولكن ذلك لم يكن مبرراً لحجم ما يشاهده العالم للأسف من القتل والدمار والذي طال الحلقة الأضعف وهم المدنيين من الشعب الفلسطيني وبشكل لا يمكن تصوره، وهم أساساً يعانون من مأساة انسانية ومجاعة، مما جعل جلالته يبدي انزعاجه من تراجع اداء مؤسسات الأمم المتحدة في هذا الصراع وعدم مساندتهم الكافية للفلسطينيين والقيام بواجبهم الانساني الاغاثي، كل ذلك يجري أيضاً في وقت تتعرض فيه مؤسسات وموظفي الأمم المتحدة نفسها للهجوم والتدمير.
ورسالة جلالته الأممية لم تقتصر فقط بالاشارة لتراجع دور مؤسسات الأمم المتحدة الاغاثية في الصراع، بل أشار جلالته أيضاً وبكل صراحة وقوة الى أن قرارات الأمم المتحدة ومنظماتها، وضعت تحت اختبار وتحدي حقيقي ولكنها وبكل أسف لم تنجح في تطبيق وتنفيذ قراراتها، بما في ذلك قرارات محكمة العدل الدولية الصادرة مؤخراً بخصوص الصراع، الأمر الذي انعكس بحالة فقدان للثقة بالأمم المتحدة سواء داخل قاعة الجمعية العامة أو خارجها بين شعوب العالم، وفي وقت يشعر فيه البعض من بلدان وشعوب العالم بأنهم فوق القانون والعدالة الدولية وحقوق الانسان مما وفر لهم حصانة تدفعهم للاستمرار، موجهاً جلالته رسالة للعالم ومنظماته بعدم جواز هذه التفرقة بين الشعوب بل يجب ترسيخ ثقافة الحقوق المتساوية للجميع وتحت مظلة واحدة هي سيادة القانون الدولي.
وقد تناول جلالته الصراع الدائر في غزة بتحليل عميق، وذلك بهدف ايصال رسالة للعالم تظهر وتبين حجم الكارثة الانسانية، مورداً جلالته الإحصائيات الدموية التي تعكس ما خلفه الهجوم الاسرائيلي الذي جاء كرد على أحداث السابع من اكتوبر، هجوم كارثي ارتفعت معه أرقام الوفيات والضحايا من الفلسطينيين وتزايدت معه اعداد الأسرى والجرحى خاصة من الأطفال والنساء إلى جانب الدمار الهائل في غزة، اضافة إلى قتل عدد كبير من الصحفيين والاعلاميين والأطباء وعمال الاغاثة الانسانية والطبية، وبشكل تجاوز كل احصائيات ضحايا الحروب الحديثة.
وانطلاقاً من الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، نبه جلالته من تزايد انتهاكات اسرائيل المستمرة تجاه الوضع التاريخي القائم (الاستاتيسكو)، وكل هذه الانتهاكات ترتفع في مناخ تغييب فيه المساءلة القانونية الأممية، وتنعدم فيه سيادة القانون الدولي، مما سيؤدي حتماً إلى جر منطقة الشرق الأوسط إلى حلقة جديدة من الصراع للأسف ودون وجود رقابة دولية أو عدالة .
ان خطاب جلالته العالمي يؤكد حكمة الملك وصلابة موقفه الداعي للسلام والأمن العالمي، خطاب كرر فيه جلالته رفض ما يروج له البعض من فكرة الوطن البديل، كذلك رفض تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ومقدساته، هذا الخطاب الملكي الذي اشادت بمضامينه كل وسائل الاعلام العالمية بوصفه صوت العقل والحكمة والسلام والعدالة الأممية.
خطاب واضح وبعيد النظر لجلالته، يتزامن مع تدهور الأوضاع والأحداث في الشرق الاوسط، خاصة في بلاد الشام حيث تتعاظم الصراعات بين حزب الله والمليشيات الايرانية في العراق وسوريا واليمن من جهة واسرائيل من جهة أخرى، أحداث متسارعة قد تقود المنطقة والعالم إلى حرب اقليمية خطيرة تتسع ساحتها ويتعدد اطرافها، الأمر الذي يجعل المرحلة تحتاج لدور أكبر للأمم المتحدة يتمثل بالاغاثة الانسانية ودعم دور الاردن في هذا المجال، كذلك السعي الحقيقي وبإرادة دولية فاعلة تجاه فرض عدالة انسانية وقانونية في العالم.