صوت البلد للأنباء –
هتمت الصحف والمجلات المصرية منذ عقود بالحوادث والجريمة بكافة صورها باعتبارها مرآة المجتمع التى تشخص الأمراض الاجتماعية التى يعانى منها وطرق مواجهتها، ورصدت بالكلمة والصورة أدق تفاصيل الجرائم التى كانت حديث الرأى العام فى تلك الفترة.
“أخبار الحوادث” تعيد نشر بعض الحوادث القديمة بكل تفاصيلها حتى نتعرف على نوعية حوادث ومجرمي زمان.
تحقيق صحفى عن أسرار أغرب جريمة قتل فى حديقة “ انطونيادس “ بالإسكندرية نشرت تفاصيلها بمجلة “اخبار الحوادث “ بعددها الصادر فى يوليو عام 1993 بقلم منير المسيرى وتصوير محمود عبدالعزيز وسرد التحقيق الصحفى تفاصيل الجريمة ..
فى البداية لم تحتمل المدرسة الشابة صدمة حبيبها الذى هجرها ليتزوج من أخرى.
تركت الإسكندرية ..سافرت إلى أبعد مكان لتتفادى رؤية حبيبها الخائن لكنها تعرضت لسرقة كل نقودها من شاب تظاهر بحبها هو الآخر.
عادت إلى القاهرة ، لم تجد عملا غير التسول.. ذابت وسط المتسولين لكنها تكاد تصرخ كلما وقعت عيناها على رجل يسير إلى جوار حبيبته أو زوجته.
كرهت كل الرجال بعدما تحولوا إلى وحوش بلا قلب فى عينيها .. أخيرا قادها تفكيرها إلى ارتكاب جريمة تأخذها إلى سجن النساء حيث لا ترى هناك أى رجل. كان مسرح الجريمة حديقة “ انطونيادس” بالإسكندرية هناك التقت المدرسة الشابة بعجوز لا تربطها بها معرفة مسبقة اختارتها المتهمة لتنهي حياتها.
انقضت على رقبة اول سيدة عجوز داخل احدى الحدائق العامة فى عز الظهر ولم تتركها إلا جثة هامدة على مقعد بالحديقة وأغرب ما فى هذه الجريمة التى لم تعرف سجلات الشرطة والمحاكم مثيلا لها من قبل وخاصة أن المدرسة القاتلة لا تعرف ضحيتها ولم تشاهدها فى حياتها على الإطلاق من قبل .. انها ليست مجرد جريمة حب ولكنها جنون الحب .. تعود الحكاية إلى عدة سنوات قليلة ماضية حيث تبدأ أحداث هذه القصة داخل نقطة مينا البصل بالإسكندرية ففى احد المساكن المتواضعة بالحى تعيش اسرة صغيرة مكونة من سيدة ارملة وابنائها الثلاثة اصغرهم مازال يتلقى العلم بإحدى المدارس الفنية والابن الثانى مجند بالقوات المسلحة واكبرهم فتاة تجاوزت الثلاثين من عمرها أنهت تعليمها وتعمل مدرسة بإحدى المدارس الابتدائية بنفس الحى الذى تعيش فيه والأسرة الصغيرة التي نزحت قبل رحيل عائلها من صعيد مصر وهى عائلة متدينة أصبحت تعيش على معاش الاب المتوفي ومساهمة الابنة الكبرى للعائلة .. أما الابنة الكبرى زينب السيد احمد فكانت تجاوزت الثلاثين من عمرها ..سمراء الوجه ضئيلة الجسد تميل اللى القصر وملامح وجهها تبعد عن معالم الجمال التى تتمناها كل فتاة فى عمرها ..ورغم ذلك كانت نقية القلب وعلى درجة كبيرة من البراءة ولكنها كانت تعيش مأساة حب دامية حرصت على أن تكتم أسرارها عن الجميع أنها تحب بجنون وحبيبها زميل لها خدعها حديثه الجذاب وكلامه المنمق فسقطت صريعة هواه وكانت كل يوم تزداد به تعلقًا وهيامًا أقنعت نفسها بأنه يميل اليها ويبادلها حبًا بحب وعندما حلقت فى آفاق الاحلام استيقظت ذات يوم على خبر أذهلها لقد تخلى عنها حبيبها واتجه إلى فتاة اخرى تقدم لخطبتها ووسط مشاعر الحزن الدامى التى تعتصر قلبها فقدت ثقتها فى كل شيء حتى أفراد أصبحت ترى فى كل الرجال وحوشًا وذئابًا وفى لحظة من لحظات جنون الحب قررت أن تهجر كل شيء .. اسرتها .. مدرستها .. مدينتها إلى أبعد مكان عن حبيبها الغادر. اختارت مدينة اسوان لتهرب اليها لعلها تنسى وفى هدوء وصمت حملت حقيبتها وكل ما تمتلكه من مصوغات ذهبية وحقيبة صغيرة وتسللت من مسكنها فى هدوء خلال ساعات كانت قد اختفت تمامًا من داخل مدينة الاسكندرية وبعد ايام كان هناك محضر غياب بقسم شرطة مينا البصل قدمته اسرة الفتاة إلى رجال الشرطة عن اختفاء زينب السيد احمد 32 عاما بعد خروجها من مسكنها تعمل مدرسة بالابتدائي.
رحلة عذاب
اربعون يومًا كاملة اختفت فيها زينب دون أن يعرف أحد شيئا عنها وقصة هذه الايام التى تحولت خلالها من مدرسة إلى متسولة ثم قاتلة كما ترويها زينب نفسها تبدأ عندما استقلت القطار واستمرت فى رحلتها حتى وصلت الى أسوان وهناك فكرت فى أن تبدأ حياة جديدة قررت أن تبيع ماتملك من ذهب وتبدأ به تجارة خان الخليلى للسائحين وباعت ماتملكه من ذهب وحصلت بدلا منه على مبلغ 2400 جنيه ولم يكن لها احد فى تلك المدينة البعيدة وهناك تعرفت على شاب احتال عليها وفى لحظة غافلها وسرقها وسرق كل مامعها من نقود لم يعد معها سوى سبعين قرشًا عليها أن تواجه بها الدنيا كلها وفكرت لحظتها أن الرجال وحوش بلا قلب وشعرت بكره عميق تجاههم ولكنها رغم ذلك كان عليها ان تواصل الحياة بعد أن تحطمت كل احلامها فى حياة جديدة بتلك المدينة البعيدة لم تجد امامها سوى أن تعود إلى القاهرة مدينة الملايين والزحام لتجد عملا وتبدأ حياة اخرى استقلت القطار وتوجهت إلى اكثر من منطقة تبحث عن عمل .. أى عمل لكنها اكتشفت أن بطاقتها الشخصية سرقت منها مع نقودها وأنه لا عمل لها بدون هذه البطاقة وكان عليها أن تعود إلى الإسكندرية تستخرج بطاقة اخرى وعليها ايضا أن تواجه الحياة فى القاهرة بلا مأوى أو مال توجهت إلى منطقة واختلطت بالمتسولين واصبحت واحدة من تلك الطائفة الغريبة تنام فى الطريق وفى الصباح تتلقى قطع النقود التى تتسولها ومرت الايام وهى تجتر آلامها وتختزن أحزانها وتعيد التفكير فى حياتها من جديد فكرت لحظة أن تتوجه إلى الإسكندرية لتبدأ باستخراج بطاقة جديدة ثم تعود للهرب من جديد فى مدينة أخرى تبحث فيها عن عمل وحياة اخرى وهكذا قادتها قدماها إلى محطة القطار وبعد ساعات قليلة كانت قد عادت بعد غياب اربعين يومًا وتوجهت على الفور إلى السجل المدنى اكتشفت أن عليها أن تتوجه إلى المدرسة التى كانت تعمل بها لتحصل على البيانات المطلوبة لبطاقتها الجديدة ولكن ذلك كان امرًا مستحيلا فهو يعنى أن تعود إلى احزانها وترى حبيبها الذى تخلى عنها وفكرت أن تضع حدًا لحياتها أن تقتل نفسها وتنتحر لتتخلص من كل هذا العذاب لكن خطر ببالها أن تدخل إلى السجن. وبدأت زينب تفكر فى نوع الجريمة التى ترتكبها حتى تتمكن من دخول السجن .. إنها تريد جريمة تضمن لها على الاقل 7 سنوات حتى تتخلص من صدمة حبها.
وهى تسير بلا هدف وقع بصرها بمنطقة ميدان محطة الإسكندرية على سيدة عجوز تكاد تقارب التسعين من عمرها وأدركت انها ضحيتها المفضلة وكانت السيدة العجوز اسمها سيدة عبدالرحمن تعيش بين قرية كفر الدوار ومدينة الإسكندرية فى وقت واحد بين ابنتها المتزوجة وابنها العامل لكن زينب التى تحولت من مدرسة إلى متسولة كان لها رأى آخر فالعجوز لا تمانع من تلقى النقود من أى شخص يعطف عليها.
وداخل حديقة “انطونيادس” بمنطقة النزهة أخذت تسير بها بين الزهور والحدائق والاشجار وبعد أن تعبت العجوز جلستا على مقعد بالحديقة وفى هدوء مدت يديها إلى وجه مرافقتها العجوز ثم ضغطت على رقبتها.
كلمات زينب تقول : كنت أتوقع ان تصيح حتى يتجمع رواد الحديقة واعترف لهم باننى كنت احاول قتلها لأسرقها ولكنها لم تنبس بكلمة حتى فوجئت بجسدها ينهار وتسقط دون كلمة .. فزعت وحاولت الهرب وتجمع الناس وأسرع الحارس بالحضور وما هى إلا لحظات وكان المقدم وصفى ذوالفقار رئيس مباحث سيدى جابر ومعاوناه الرائدان هشام بدر واحمد مصطفى داخل الحديقة.
في البداية انكرت زينب لكن تملكتها رجفة وهى تشاهد ضحيتها وارتسم الرعب على وجهها واخذت تصيح “ انا قتلتها .. انا قتلتها” وهكذا اسدل الستار بقرار من نيابة سيدى جابر بحبس المدرسة المتسولة.