صوت البلد للأنباء –
صعب جداً الآن القول إن مسألة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر فيما يخص ليس مشاعر الأردنيين فحسب، بل مواقفهم، لم تعد صفحة يمكن إغلاقها بإزالة يافطتين؛ الأولى عن مطعم، والأخرى عن سوبرماركت.
عندما يتعلق الأمر بتوازنات المصالح الأردنية الحيوية والأساسية، يفهم الشارع في المقابل أن التضامن الوطني والأخلاقي مع يوم 7 أكتوبر، لم يعد مجرد شعار ولا يافطة، بقدر ما أصبح تأكيداً شعبياً على المؤكد، يفرض أمام السلطة ومؤسساتها ورموزها مساراً كبيراً من التعقيدات.
ليس مطلوباً من الشارع الأردني تحدي السلطات. وكل المرغوب فقط تفهم حسابات الدولة في ظل ثلاثية المشاعر والمواقف والمصالح، وهي ملاحظة مبكرة سمعتها «القدس العربي» مرتين على الأقل مؤخراً من المخضرم رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، وهو يركز على اليقظة الوطنية التي تشمل النخب والناس، بكل حال.
لا في مقايسات الرفاعي ولا في مقاربات نظيره علي أبو الراغب، ثمة مزاودة على الثابت الوطني في القضية الفلسطينية، خصوصاً أن الأردن يتقدم على صعيد المواقف وفي الاشتباك التفصيلي اليومي مع العدوان وتفعيلاته. لذلك، تصلح الإجراءات التي أزالت يافطتين عن المطعم والمحل التجاري باسم 7 أكتوبر، لنقاش أعمق حيث قراءة على سطح الحدث تفترض أن حكومة لا تحتمل الدفاع عن خيار مواطنيها برفع يافطة من هذا الصنف، قد لا تكون مؤهلة للدفاع عن مصالح الوطن الأردني.
المملكة و«إسرائيل الكبرى»
تلك بكل حال «فرية» سياسية إلى حد نسبي، تقرأ مسألة إزالة اليافطة في حدود مناكفة الشارع، لكن السلطات التي قررت إزالة يافطتين في النتيجة ساهمت في تعزيز مكانة يوم 7 أكتوبر في أعماق مناطق في المجتمع لن يصلها بعد لا اليوم نفسه ولا تداعياته… تلك أيضاً حقيقة بيروقراطية وإدارية.
من قرروا إدارياً ازالة اليافطتين بسرعة تجنباً لإحراج الدولة في مواجهة حالة الذئب المتوحش التي اجتاحت الكيان الإسرائيلي فقط بسبب يافطة، لم يأخذوا بالاعتبار أن إزالة اليافطة عن مطعم أو محل تجاري ستؤدي إلى خدمة مجانية كبيرة ليوم 7 أكتوبر لم يخطط لها أحد. هؤلاء أنفسهم لم يأخذوا بالاعتبار أن وزير مالية الكيان رفع خارطة علناً في باريس ترى في المملكة جزءاً من أرض «إسرائيل الكبرى» دون أدنى اعتراض علني عليه.
يفرض مساراً كبيراً من التعقيدات أمام السلطة ومؤسساتها
ويفترض بمجسات القرار أن تقف لتتأمل هذه الفزعة والاندفاع الشعبي الأردني الذي حاول لفت نظر البوصلة السياسية والدبلوماسية إلى أن موقف الشعب الأردني واضح ومحدد، كما يقول لـ «القدس العربي» القطب البرلماني خليل عطية. وهو أن هذا الشعب مع المقاومة بمطلق الأحوال خلافاً لأن حضور يوم 7 أكتوبر في ذهنه أصبح تقويماً وطنياً أردنياً جديداً يصادق عليه قول أبو الراغب وغيره من كبار الساسة، بأن ما قبل ذلك اليوم يختلف عما بعده.
طبعاً، ينبغي أن تتوقف المزايدات على الدولة ومواقفها واشتباكها، لكن كل مسؤول سياسي أو بيروقراطي يحاول تجاهل هذه المكانة الكبيرة للمقاومة الفلسطينية وشعاراتها ورموزها، يصطدم بحائط التقويم الجديد الذي فرض إيقاعه على الجميع، وكل من يفعل ذلك إما من باب المزاودة على الرأي العام أو من باب الوفاء والإخلاص لمسارات التكيف، أو حتى من باب الولاء لممارسة الشراكة مع كيان أصبح عدواً للشعب الأردني وينبغي له في المقابل، وفقاً لعطية وغيره، أن يعيد قراءة ميزان المصلحة والواقع. إنكار الحضور القوي جداً الآن في عمق المجتمع الأردني للمقاومة الفلسطينية وتقويمها الزمني الجديد، قد يرتقي إلى مستوى جريمة بحق الوطن والدولة.
والانطباع أن الاسترسال في هذا الإنكار عبارة عن محاولة يائسة وبائسة للإقامة أكثر في منطقة إنكار المخاطر. والادعاء بعكس ما يقوله الشارع بوضوح من ترميزات لصالح المقاومة اليوم في العمق الاجتماعي الأردني هو تضليل للذات، وإلى حد ما للقيادة.
وهنا حصراً تصبح المعادلة فيزيائية؛ فقوى الشارع تفهم أن عليها ألا تزاحم الدولة في التكتيك والاشتباك والمزاودة على حراكها، والمؤسسات بواجبها يفترض ألا تزاحم الناس على مواقفهم المبدئية؛ فنخبة من كبار رجال الدولة والولاء الذين لا مجال للمزاودة عليهم سمعتهم «القدس العربي» مباشرة يقولون إن مصالح الدولة الأردنية مستقبلاً باتت مرتبطة بالتقويم الذي تدل عليه تلك اليافطة المنزوعة ولم تعد مرتبطة، فيما ارتبطت به خلال 30 عاماً في الماضي.
في حديث تأملي مسترسل تنشره «القدس العربي» لاحقاً مع رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، قراءة خارج الأوهام لوقائع ودعوات للاتزان في إدارة الاشتباك مع المصالح دون مزاودة، لا على دوائر القرار المرجعي ولا على مواقف الشعب الأردني.
إزالة يافطة
وعليه، يمكن التأشير مجدداً إلى أن إزالة يافطة 7 أكتوبر سواء في الكرك أو حتى في عمان، سلوك لم يكن موفقاً إدارياً ولا سياسياً، وانتهى بأن أطلق الأردن بحملة عفوية -وهذا أخطر ما فيها- اسم 7 أكتوبر على عدد كبير من السلع والخدمات والمحلات خلافاً لما ظهر من صياغات تحاول الاحتيال على القرارات الإدارية، ليس فقط عبر منصات التواصل الاجتماعي، ولكن أيضاً عبر الأعراس واجتماعات العشائر والمناسبات العائلية.
حتى في أعراسهم، يطلق الأردنيون اليوم هتافات لصالح المقاومة ورموزها، وتطلق أسماء المقاومين الكبار على مواليد جدد، وتغيرت سلوكيات المجتمع برمته في مسألة الاحتفالات والبذخ تضامناً مع أهالي قطاع غزة. ولم يعد مكان في الأفق النقاشي لحل الدولتين حتى.
وقد سمع وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، في ندوة عامة حذر فيها من الاحتيال مجدداً على الدول العربية كلمات مباشرة تبلغه بأن حل الدولتين لم يعد مطلوباً للشعب الأردني، بل الثأر والانتقام وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
وفي الخلاصة، لا بد من الانتباه إلى أن المجازفة بالسمعة السيئة جراء إزالة يافطتين انتهت بإعلانات تحت قبة البرلمان ومن عدة نواب وأثناء مناقشة الميزانية المالية للدولة بمبايعات علنية وفي بيت التشريع لذكرى يوم 7 أكتوبر.
«القدس العربي»