صوت البلد للأنباء –
قررت محكمة التمييز نقض القرار الصادر عن محكمة الجنايات الكبرى في القضية الجنائية القاضي (بإسقاط دعوى الحق العام عن كافة الجرائم المسندة للمتهم (ع.هـ) بالتقادم وتسطير كتاب إلى مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل للإفراج عنه فوراً ما لم يكن موقوفاً أو محكوماً لداعٍ آخر).
وتتلخص وقائع هذه القضية – كما جاء إسناد النيابة العامة – بأن المتهم (ع.هـ) على معرفة بالمغدور (م.هـ – مواليد 1928) بحكم أنهما من العشيرة ذاتها ويسكنان في بلدة واحدة، وفي سنة (1997)، وقبل حوالي أسبوع من تاريخ مقتل المغدور وبحدود الساعة الخامسة والنصف من فجر أحد الأيام التقى المتهم بإحدى الفتيات التي تربطه بها علاقة غرامية وقام بتقبيلها ومداعبتها، وكان ذلك بالقرب من منزل المغدور، وأثناء ذلك شاهدهما المغدور، عندها لاذ المتهم بالفرار، وعلى إثر ذلك ولخوف المتهم من افتضاح أمره بين أبناء عشيرته وبلدته عقد العزم على قتل المغدور وإزهاق روحه، كما تملكه الطمع والجشع وحب المال وعقد العزم على سرقة ما بحوزة المغدور من نقود، حيث أخذ يتحين الفرصة المناسبة لتنفيذ مشروعه الإجرامي، وتنفيذاً لمشروعه الإجرامي قام بتجهيز أداة ثقيلة (ساطور).
وفي الموعد المحدد لتنفيذ ما عقد العزم عليه وبحدود الساعة الثامنة من مساء يوم الأحد الموافق (14/12/1997) توجه إلى بقالة المغدور لعلمه المسبق بأن المغدور يتواجد بمفرده في البقالة، وكان بحوزته الأداة الحادة التي يخفيها داخل ملابسه، على الفور انقض على المغدور بضمير غائب وباغته بعدة ضربات قاتلة على رأسه بواسطة الأداة الحادة قاصداً قتله وإزهاق روحه، ونتيجة لذلك سقط المغدور مضرجاً بدمائه، وبعد ذلك قام المتهم بتفتيش الثوب الذي يرتديه المغدور والإستيلاء على محفظته وبداخلها مبلغ من النقود، ثم قام بطرح مدفأة كاز مشتعلة بغية إضرام النار داخل البقالة وإخفاء معالم جريمته النكراء التي يندى لها الجبين، حيث قام بإغلاق سحاب باب البقالة بواسطة قفلها وغادر المكان وبحوزته المسروقات، ثم قام بغسل أداة الجريمة من دماء المغدور، وبعد ذلك وعلى إثر الدخان الذي كان يخرج من البقالة قام مجموعة من أهل البلدة وذوي المغدور بالتوجه إلى البقالة وكان من ضمنهم المتهم حيث جرى فتح قفل الباب بواسطة مفتاح القفل الإحتياط وإسعاف المغدور إلى المستشفى وتبين وفاته.
نظرت محكمة الجنايات الكبرى بالدعوى وبالتدقيق في أوراق هذه الدعوى وقرار الاتهام ولائحة الاتهام وجدت المحكمة أن واقعة هذه القضية تتعلق بمقتل المغدور (م.هـ) وسرقة محفظة نقوده وبداخلها مبلغ من النقود والتي وقعت بتاريخ (14/12/1997) وأنه سبق ملاحقة المتهم (ع.هـ) مع أشخاص آخرين عن ذات الوقائع موضوع القضية أمام مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى وتم توقيفه من قبل المدعي العام بتاريخ (18/12/1997) وأثناء فترة توقيفه جرى استدعائه إلى مركز أمن ذيبان وتم ضبط إفادته مرة ثانية بتاريخ (29/12/1997) واعترف أمام الشرطة أنه قام بقتل المغدور، وعلى الرغم من ذلك لم يقم أفراد الشرطة المختصين في ذلك الوقت بإرسال إفادة المتهم الشرطية إلى المدعي العام.
وبنتيجة التحقيق قرر المدعي العام منع محاكمة المتهم عن الجرائم المسندة إليه، كما قرر النائب العام لدى محكمة الجنايات الكبرى الموافقة على قرار منع المحاكمة والإفراج عن المتهم بتاريخ (16/3/1998) وإن محكمة التمييز بتاريخ (20/5/1998) قررت رد التمييز المقدم من مساعد رئيس النيابة العامة للطعن بقرار النائب العام، ولكن وبعد خمس وعشرين سنة وبتاريخ (31/1/2023) أرسلت إفادة المتهم الشرطية المذكورة إلى المدعي العام وتشكلت هذه القضية بحق المتهم، وقررت محكمة الجنايات الكبرى وعملاً بأحكام المادة (338) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إسقاط دعوى الحق العام عن كافة الجرائم المسندة للمتهم (ع.هـ) بالتقادم وتسطير كتاب إلى مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل للإفراج عنه فوراً ما لم يكن موقوفاً أو محكوماً لداعٍ آخر.
وقد عللت محكمة الجنايات الكبرى قرارها وسببته على النحو التالي:
((وحيث وجدت المحكمة أنه قد سبق ملاحقة المتهم عن الجرائم ذاتها موضوع هذه القضية التي وقعت بتاريخ (14/12/1997) وتقرر منع محاكمته عنها وإن إفادة المتهم الشرطية التي اعترف فيها بقتل المغدور تم ضبطها بتاريخ (29/12/1997) وقبل قرار منع المحاكمة وهي ليست دليلاً جديداً ظهر ضد المتهم إلا أن هذه الإفادة الشرطية لم ترسل من قبل أفراد الضابطة العدلية إلى المدعي العام إلا بتاريخ (31/1/2023) وبعد مرور أكثر من خمس وعشرين سنة على وقوع الجريمة وبالتالي فإن الإجراءات التي قام بها أفراد الضابطة العدلية وتشكيل عدة لجان للتحقيق بالجريمة وجمع الأدلة بعد صدور قرار المدعي العام بمنع المحاكمة ليس من شأنها قطع التقادم كون فاعل الجريمة كان معروفاً أصلاً ولم ترسل إفادته إلى المدعي العام، وحيث إن التقادم من النظام العام ويتوجب على المحكمة التطرق إليه قبل الدخول في موضوع الدعوى ودون مناقشة ثبوت الوقائع المسندة للمتهم من عدمه وحيث إن الجرائم المسندة للمتهم وقعت قبل أكثر من خمس وعشرين سنة فإنها تكون مشمولة بأحكام التقادم ويكون الدفع المقدم من وكيل المتهم واقعاً في محله)).
لم يلقَ ذلك القضاء قبولاً من مساعد النائب العام لدى محكمة الجنايات الكبرى فطعن فيه تمييزاً طالباً نقضه، فقررت محكمة التمييز نقضه، وقد عللت قرارها وسببته على النحو التالي:
((فلما كان ذلك وكان البين من أوراق الدعوى أنه وإثر مقتل المغدور بتاريخ (14/12/1997) لوحق المميز ضده وآخرين بذلك الجرم وقيدت القضية التحقيقية لدى مدعي عام الجنايات الكبرى) وقد تقرر منع محاكمته بتاريخ (14/3/1998) لعدم قيام الدليل، وقد وافق النائب العام لدى محكمة الجنايات الكبرى على قرار منع المحاكمة بتاريخ (16/3/1998) وقد ميز مساعد رئيس النيابة العامة قرار النائب العام، وبتاريخ (20/5/1998) قررت محكمة التمييز رد التمييز وتأييد القرار المميز، وحيث إن قرار منع محاكمة المميز ضده الصادر عن المدعي العام قد تضمن في فقرته/ ثانياً ما يلي: تسطير كتاب إلى مدير شرطة محافظة (….) ومركز أمن (….) لمتابعة البحث والتحري عن الفاعل، وتنفيذاً لذلك فقد شكلت لجان تحقيق على مدار الأعوام من (1998 – 2022) إلى أن تم العثور على إفادة المميز ضده المؤرخة في (29/12/1997) المأخوذة من قبل الشرطة خلال إجراءات القضية التحقيقية – تحقيق مدعي عام الجنايات الكبرى (والتي لم تودع إلى مدعي عام الجنايات الكبرى آنذاك)، حيث باشرت الجهات المعنية التحقيق في حادث مقتل المغدور مجدداً وبتاريخ (31/1/2023) أحالت الأوراق التحقيقية إلى مدعي عام الجنايات الكبرى الذي قرر منع محاكمة المذكور ولدى رفع الأوراق إلى النائب العام لدى محكمة الجنايات الكبرى قرر فسخ قرار منع المحاكمة والظن على المشتكى عليه بالجرائم المسندة إليه وأحيلت الأوراق إلى محكمة الجنايات الكبرى التي أصدرت قرارها بتاريخ (28/3/2023) المتضمن إسقاط دعوى الحق العام بخصوص الجرائم المسندة للمتهم بالتقادم وهو القرار محل الطعن المعروض.
فلما كان ذلك وكان المستفاد من المادة (349/3/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن إجراءات التحقيق تقطع التقادم وكذلك إجراءات الدعوى الصادرة عن السلطة المختصة تقطع التقادم كأن تأمر النيابة العامة بإجراء تحقيق في القضية أو أن تجري هي نفسها فيها تحقيقاً وفق ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز بهيئتها العامة/ القرار رقم (506/2013).
وحيث إن النيابة العامة هي الجهة المختصة بالتحقيق في الجرائم وملاحقة مرتكبيها وإحالتهم إلى المحاكمة لم تتمكن من تحريك دعوى الحق العام تجاه المميز ضده إلا بتاريخ توديع إفادته التي يعترف فيها بارتكابه هذه الجريمة والتي تم العثور عليها من قبل لجنة التحقيق نتيجة الأمر باستمرار البحث والتحري عن الفاعل بموجب قرار منع المحاكمة الصادر سنة (1998) وهي إجراءات قاطعة للتقادم وذلك بتاريخ (31/1/2023) وهو التاريخ الذي يبدأ منه التقادم على الجرائم المسندة للمميز ضده.
وحيث إن محكمة الجنايات الكبرى بقرارها الطعين توصلت إلى خلاف ما بيناه سابقاً فإنه يكون في غير محله ويتعين نقضه)).-(مركز إحقاق للمحاماة)