صوت البلد للأنباء –
على الرغم من أن برنامج التشغيل الوطني الذي تُطلقه وزارة العمل يهدف إلى تحفيز تشغيل المتعطلين عن العمل في منشآت القطاع الخاص الخاضعة لأحكام قانون الضمان الاجتماعي، إلا أن العديد من المستفيدين من هذا البرنامج يتعرضون لانتهاكات عمّالية وتجاوزات من قبل أصحاب العمل.
ومن أهم هذه الانتهاكات عدم حصول العديد من المستفيد من البرنامج على الأجر المستحق من صاحب العمل البالغ نحو 100 دينار شهريا، إضافة إلى انتهاكات أخرى تتعلق بساعات العمل الطويلة وحرمانهم من الإجازات.
ويهدف البرنامج إلى تشغيل 60 ألف عامل وعاملة، وفقا للموقع الالكتروني الرسمي لوزارة العمل، بأجور شهرية لا تقل عن 260 دينارا، يدعم البرنامج 150 دينارا منها مع بدل مواصلات واشتراكات الضمان الاجتماعي، في حين يلتزم صاحب العمل بدفع نحو 100 دينار للعامل.
كما يلتزم صاحب العمل، وفق البرنامج، بتوقيع عقد لمدة سنة مع العامل المراد تشغيله، يتخللها تدريب للعامل في مواقع العمل من شهر إلى ثلاثة أشهر، ويتكفل البرنامج بتكاليفه.
ويمكن لجميع الأردنيين المتعطلين عن العمل ضمن الفئة العمرية 18- 40 سنة التقدم للبرنامج، وتجري عملية التشغيل من خلال أصحاب العمل فقط وبدون أي تدخل من أي جهة حكومية، ويعتمد ذلك على الفرص المتاحة من قبل أصحاب العمل ووفقاً لاحتياجات منشآتهم.
ولا يجوز إنهاء عقد العامل، وفق البرنامج، إلا في الحالات الواردة في المادتين 28 و29 من أحكام قانون العمل الأردني، وعقد العمل بين العامل وصاحب العمل هو عقد محدد المدّة بـ12 شهرا.
في أحاديثهم يؤكد عدد من المستفيدين من البرنامج أن المستفيد الأول هو صاحب العمل وأن البطالة تدفعهم لقبول ما ينتهك حقوقهم المهنية والعمّالية وبأجر أقل بكثير من الحد الأدنى حتى لا يكونوا عبئاً على أحد، وأنهم لا يحصلون على نسخة من العقد محدد المدة.
وشدد خبراء ومتخصصون في مجال العمل على ضرورة أن تتابع وزارة العمل برامج التشغيل وتُقيّمها بشكل مباشر، وأن تعمل على مراجعتها مع العمّال أنفسهم لمعرفة ما يتعرضون إليه، وتشجيعهم على تقديم شكاوى حال تعرضوا لأي انتهاك حقوقي، وأن يكون ذلك من خلال تطبيق أو منصة إلكترونية تابعة للوزارة.
ويرون أن برامج التشغيل لا يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة؛ لأن فرص العمل يخلقها الاقتصاد والنمو الاقتصادي تلقائياً، لكنها مُيسِّرة ومنسِّقة بين الباحثين عن العمل والجهات المُشغّلة.
لا فائدة من البرنامج
تعمل (م. أ) في إحدى المدارس الخاصة منذ سنوات، وهي إحدى المستفيدات من برامج التشغيل الوطني العام الماضي، تقول إنها لا تستفيد من البرنامج شيئا، بل إن صاحب العمل هو المستفيد الأول من ذلك.
وأوضحت أن لديها عقد عمل محدد المدة وأن مقدار الأجر الذي تحصل عليه في العقد هو 260 دينارا شهريا، إلا أنها لا تحصّل سوى 130 دينارا.
وتشرح بالقول: “صاحب العمل عندما أحصل على راتبي يأخذ منه 130 دينارا وهو نصف الراتب، في حين نصابي الأسبوعي من الحصص 25 حصة، وأدرِّس مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، ما يعني أنني أكلَّف بما ليس لي”.
وأشارت إلى أنها لا تحصل على إجازات سنوية، وإذا اضطرت إلى إجازة يجب أن تكون هناك معلمة بديلة عنها وهو ما لم تلجأ إليه حتى هذه اللحظة، “العديد من المعلمات يلجأن إلى معلمات أخريات ليستطعن أخذ إجازات مقابل مبلغ مالي يُدفع لهن”.
وتزعم (م. أ) أن برنامج التشغيل الوطني لا يمكن الاستفادة منه أكثر من مرة واحدة، “على أصحاب العمل أن يخافوا الله في الأشخاص المستفيدين من البرنامج”.
نصف أجره تنقلات
فيما يعمل (أ. أ) في مجال الصحافة لدى أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية منذ خمسة أشهر وهو أحد المستفيدين من برنامج التشغيل الوطني، وأجره الشهري 92 دينارا فقط.
يقول إن ما يحصل عليه يذهب نصفه أجور تنقلات من مكان العمل وإليه، الذي غالبا ما يكون في الميدان.
وأوضح أنه يعمل ما يُقارب سبع ساعات في اليوم، “يبدأ عملي عند التاسعة صباحا وينتهي عند الرابعة والنصف عصراً، وكل ما أحصل عليه من أجر لا يساوي شيئا أمام هذا المجهود الذي أبذله يومياً”.
وأشار إلى أنه لا يوجد أي جهة يرجع إليها عند تعرضه لأي انتهاك عمّالي، وأن وزارة العمل “لا تتابع قضايا ممن يستفيدون من برنامج التشغيل الوطني”.
وبين (أ. أ) أنه لا يمتلك نسخة من عقد العمل، فيما أخبره صاحب العمل بأن العقد فقط ستة أشهر، ولكنه محدد 12 شهرا بعد أن حصل “المرصد العمّالي الأردني” على نسخة منه.
لا خيار آخر
بينما تعمل (ر. م) من خلال برنامج التشغيل الوطني منذ أن أنهت دراستها الجامعية في نيسان الماضي في وكالة للتسويق، ولا تحصّل من عملها سوى 100 دينار شهريا، وليس هناك ساعات معينة لانتهاء فترة عملها وربما يعود ذلك لطبيعة العمل في مجال التسويق على حد قولها.
تقول (ر. م) إن البطالة لم تترك لهم خياراً آخر سوى القبول بعمل ينتهك حقوقهم وبأجر أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور، على الرغم من الإمكانات الكبيرة المتوافرة لدى الشباب.
ولفتت إلى أنه في بداية عملها كانت البطاقة البنكية مع صاحب العمل وهو من يستلم الراتب ويعطيها المتفق عليه، ويتم اقتطاع جزءٍ من الراتب الذي تدفعه الوكالة وذلك عند استلام الراتب الشهري بناء على اتفاق مسبق بينهما.
وأوضحت بالقول: “حالياً البطاقة البنكية معي ونهاية كل شهر أخذ المئة وأعيد لصاحب العمل الباقي، لا خيار آخر أمامي وقدمت على أكثر من عمل آخر إلا أنني أنتظر فرصة تناسبني”.
وتستدرك (ر. م) بأن البرنامج فرصة جيّدة “لكنها غير كافية ويشعر المستفيد بالقلق الدائم وعدم الأمان الوظيفي”، من أن يحين وقت انتهاء العقد وبالتالي يخسر مصدر الدخل.
لا تحُدّ من البطالة
قال الخبير في قضايا العمل والعمّال حمادة أبو نجمة إنه يفترض أن تتابع وزارة العمل البرنامج وتقيّمه بشكل مباشر، وأن تُراجع مع العمّال أنفسهم لمعرفة ما يتعرضون إليه، وعليها تشجيعهم على تقديم شكاوى حال تعرض المستفيدين لأي انتهاك حقوقي يجري، وذلك من خلال تطبيق أو منصة إلكترونية تابعة للوزارة.
وأشار أبو نجمة إلى أن برنامج التشغيل “لا يحدّ من مشكلة البطالة”، وما يدلل على ذلك أن أرقام ونسب البطالة مستقرة، وأنه من الأفضل تسميته، استنادا لما هو عليه الآن، بـ”خدمات التشغيل” كأيّ خدمة يومية قد تقدَّم للمواطنين.
وأوضح أن برامج التشغيل التي تهدف إلى الحد من البطالة تحتاج إجراءات مختلفة تماما، ويجب أن تكون من خلال ربط المستفيدين بالوزارات مثل وزارة الاستثمار ووزارة الصناعة والتجارة من خلال وزارة العمل، ويتم ذلك عبر مكاتب تشغيل في المحافظات تربط المستفيدين بأصحاب العمل.
لا متابعة أو تقييم للبرنامج
في حين قال خبير التأمينات الاجتماعية والناطق السابق باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي، إن من السهل أن تطلق الحكومة برامج للتشغيل مثلما أطلقت برنامج التشغيل الوطني، لكن الأهم هو “متابعة سير عمل البرنامج وتقييم نتائجه على أرض الواقع”.
وأثنى على ما قاله أبو نجمة من أن برامج التشغيل لا يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة؛ لأن فرص العمل “يوجِدها الاقتصاد والنمو الاقتصادي تلقائياً”. لكنها “مُيسِّرة ومنسِّقة” بين الباحثين عن العمل والجهات المُشغّلة، ولذلك “يجب التركيز على موضوع المواءمة بين الفرص المطلوبة والفئات المستهدفة ببرامج التشغيل”.
ولفت الصبيحي إلى أن الحكومة، حتى الآن، لم تعلن بأنها أعدّت تقريراً مفصلاً عن نتائج أيٍّ من البرامج التشغيلية التي أطلقتها، ولم نعرف مدى تقييم تلك البرامج، ولا الفرص الحقيقية التي وفرتها، وما إذا كانت فرصاً مستدامة أم مؤقتة.
وشدد على ضرورة متابعة تنفيذ البرنامج ومراجعة أي معوقات تؤثر على تقدمه ونجاحه.
“العمل”: نتابع ونقيِّم
من جانبها، قالت وزارة العمل، إن دورها في متابعة وتقييم البرنامج بأنها تتابع المشتغلين كافة من خلال البرنامج عبر الوحدة المسؤولة عن البرنامج داخل الوزارة، وتتابع أي ملاحظات أو شكاوى أو انتهاكات عمّالية تصلها.
وأوضحت أن عدد الملتحقين بعمل والموقعين على عقود عمل في البرنامج مع منشآت القطاع الخاص العام الماضي بلغ 32700 شخصا في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
وأشارت الوزارة إلى أنه بإمكان أي باحث أو باحثة عن عمل الاطلاع على الشركات المسجلة بالبرنامج وفرص العمل المتاحة لديهم.
برامج التشغيل لا تكفي
وفق تقرير أصدره مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، فإن برامج التشغيل الحكومية لم تستهدف السـبب الأساسي لارتفاع معدلات البطالة، الذي يتمثل في تراجع قـدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل كافية لطالبيها، وهذا يعود إلى “اختلالات في السياســات الاقتصادية” التي أرهقت الاقتصاد والمجتمع في الضرائب غير المباشرة.
التقرير الذي جاء بعنوان “العمل اللائق في الأردن 2023” يشير إلى أن برامج التشـغيل تفتقـر إلى اسـتهداف الضعـف الكبير في بشـروط العمـل في معظم فـروع القطاع الخـاص، وبخاصة مســتويات الأجور المنخفضة، من خلال تطبيق ما يسمى “سياسات العمل المرن”.
ويرجع التقرير ذلك إلى أن وزارة العمل خاضت فـي أمور خارج نطاق عملها وتناست دورها الرئيـس في تنظيم سوق العمل وزيادة منظومة التفتيش وتطويرها.
وبلغ معدل البطالة 22.3 بالمئة خلال الربع الثالث من العام الماضي 2023 بانخفاض مقداره 0.8 نقطة مئوية عن ذات الفترة من العام 2022 الذي بلغ آنذاك 23.1 بالمئة، وبثبات المعدل مقارنة مع الربع الثاني من هذا العام.
نقلا عن المرصد العمالي الأردني