صوت البلد للأنباء –
ماهر أبو طير
كلما حل فصل الشتاء، زادت محاولات التهريب إلى الأردن عبر الحدود الشمالية، بسبب مناخ الضباب الذي يتم استثماره في محاولة لتمرير شحنات مختلفة، وهذا يفسر ما نراه هذه الأيام.
الجيش يشتبك مع مليشيات مسلحة على طول حدود الأردن مع سورية، ويتعرض أبناء الجيش إلى إصابات، وعمليات الهجوم من الجانب السوري، باتت مسلحة، وهو أمر ليس سرا، على كل حال، لأن جماعات التهريب استعملت الأسلحة في فترات سابقة، من القاذفات والصواريخ والرشاشات، إضافة إلى الطائرات المسيرة، لتهريب المخدرات ولمراقبة الحدود الأردنية.
هناك آراء تتسم بالخفة السياسية، والتجاوز الأخلاقي حين تقول إن عمليات التهريب يراد منها إيصال السلاح إلى فلسطين والضفة الغربية، من جانب جماعات سياسية وعسكرية في سورية، ترعاها دول إقليمية، والكلام هنا يريد إدانة الأردن في دفاعه عن حدوده، وكأنه يدافع عن إسرائيل، ومنح صبغة وطنية لمليشيات التهريب، هذا على الرغم من أن تهريب السلاح دعما للشعب الفلسطيني أسهل بكثير عبر سورية، وأسهل بكثير عبر جنوب لبنان، حيث هذه مساحات حيوية لجماعات كثيرة، بدلا من الأردن، والتغطي بالوطنية الكاذبة هنا ليس منطقيا، وكأن الهدف الضمني تجريم الأردن هنا، باعتباره يقف في وجه من يقاوم إسرائيل، والكل يعرف أن هذه عصابات مخدرات وسلاح، تريد تهريب كل هذه الكميات إلى الأردن ودول الخليج العربي، وليس إلى فلسطين كما يحاول البعض الإيحاء.
هل من المنطق هنا أن يهرب “المهرب الوطني” المخدرات لقتل الأبرياء في منطقتنا العربية، وفي الوقت ذاته يهرب السلاح لقتل الإسرائيليين، وعلى أي جهة يمكن حساب اتجاه المهربين حقا، خصوصا، أن محاولات التهريب مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، وكل التحقيقات والمعلومات تؤشر على استهداف البنية الأردنية الداخلية ودول عربية مختلفة، وهذا يعني أن تشويه سمعة الأردن بلغت مبلغا لا يمكن احتماله اليوم، حين تتم صناعة صورة وطنية زائفة لعصابات تهرّب المخدرات أصلا، وتقتل أبناء الأردن والعرب جراء المخدرات، وتستهدف أيضا هز بنية الاستقرار الأردني الداخلي، الذي هو أهم ما لدينا في ظل هذه الظروف.
ما يمكن قوله هنا يتعلق أيضا بثلاثة أمور، أولها أن كل الضمانات السورية والروسية، والاتصالات مع الإيرانيين لم تؤد إلى ضبط الحدود، ولا وقف المليشيات المسلحة التي تشن حربا على الأردن لاعتبارات مختلفة، من بينها أيضا محاولة إضعافه، وهذا يعني أن كل المراهنة على العلاقات مع هذه الأطراف يتوجب مراجعتها حقا، لمعرفة جدوى المراهنة على بعض الدول، أو حتى انتظار مساعدة منها.
وثانيها أن مناطق الحدود الشمالية، باتت مفتوحة لكل أنواع المليشيات، تلك المتخصصة بالمخدرات، وتلك المتخصصة بالأسلحة، إضافة إلى جماعات النظام السوري، وجماعات التطرف، وجماعات صغيرة مرتبطة بجماعات عسكرية لها أهدافها الأوسع من تهريب السلاح والمخدرات، ولها أطراف راعية وحاضنة في المنطقة والإقليم، لاعتبارات مختلفة، أبسطها تأمين التمويل المالي، لهذه الجماعات، ومن يرعاها من خلال التهريب بكل أنواعه، وصناعة المهددات قرب الأردن الذي يواجه خطرا مفتوحا في الغرب والشمال والشرق أيضا، والأردن هنا لديه خرائط دقيقة وتفصيلية، حول مواقع كل هذه التصنيفات، ومعلومات عمن يديرها.
وثالثها أن هذه الأزمة لم تعد أردنية، وهي بحاجة إلى شراكة عربية ودولية على مستويات مختلفة، من أجل التعامل مع هذه الأخطار، وقد كان الأولى سابقا، أن تقام منطقة عازلة بين الأردن وسورية برغم كلفها المالية المذهلة، حتى لا نجد أنفسنا أمام هذا الاستهداف الخسيس الذي يسمح أصحابه لأنفسهم بقتل أبناء الأردن، من أجل تمرير مهرباتهم إلينا، وهو أمر لا يمكن المجاملة فيه، ولا البحث عن تأويلات تتسم بالخفة، كما الكلام الذي أشرت إليه مطلع المقالة، حول أن هذه تهريبات أسلحة موجهة إلى فلسطين، فيما هي على المؤكد معدة لتسليمها لتجار ولخلايا متطرفة كامنة في الأردن، أو في دول ثانية.
لقد تعبنا من طعن الأردن في ظهره، كل مرة، حتى عشنا وسمعنا من يقول إن من يقتلون ويجرحون أبناء الجيش في المواجهات على الحدود، والمدنيين الأردنيين بمخدراتهم، يريدون تهريب السلاح إلى فلسطين ونحن نمنعهم، عن ممارسة أعمالهم الوطنية المشرفة.