صوت البلد للأنباء –
يثار التساءلات بشأن الموقف المصري الصامت تجاه اعتداء دولة الاحتلال الإسرائيلي المتكرر على معبر رفح، والرضوخ لقرار الاحتلال في التحكم بالمعبر على الجانب الفلسطيني، في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن الأمن القومي خط أحمر.
وتأتي تصريحات السيسي بشأن “الأمن القومي”، بالتزامن مع محاولة الاحتلال إجبار سكان قطاع غزة على الهجرة القسرية باتجاه مصر بعد دفعهم وحشرهم ومحاصرتهم في مدن الجنوب ومن هناك إلى مدينة رفح الفلسطينية على الحدود المصرية.
ويتحكم الاحتلال بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، ويمنع دخول الوقود إلا بكميات قليلة جدا إلى قطاع غزة، كما يتحكم بأعداد وأسماء الجرحى الذين يغادرون عبر معبر رفح البري، رغم أنه يخضع لإدارة وسيادة مصرية.
ورغم العدد الكبير جدا من الجرحى جراء العدوان المتواصل على قطاع غزة، إلا أنه لم يسمح بالمغادرة عبر المعبر إلا لأكثر من 400 جريح فقط، للعلاج في المستشفيات المصرية في سيناء، عدد قليل منهم تم استضافتهم للعلاج في دول أخرى.
وأقر وزير الدفاع المصري، محمد زكي، بأن الوضع في فلسطين يواجه منحنى شديد “الخطورة والحساسية” هدفه تصفية القضية الفلسطينية. وقال زكي “لا بد للسلام من قوة تحميه وتؤمن استمراره، فعالمنا اليوم ليس فيه مكان للضعفاء”.
وتتجه الأنظار صوب معبر رفح مع استمرار حشد القصف الإسرائيلي لمئات آلاف المهجرين من شمال ووسط قطاع غزة إلى أقصى الجنوب، حيث بات الآلاف على بعد أمتار قليلة من الحدود الفلسطينية المصرية.
ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قام الطيران الحربي بالقصف الجوي على مقربة من معبر رفح على الجانب المصري طال بعضها أحد الأبراج والحواجز الأسمنتية وأسفرت عن إصابة عدد من المجندين.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن “إسرائيل استهدفت المعبر 4 مرات وترفض دخول المساعدات”.
إلى جانب وقوع انفجارين في نويبع وطابا بشبه الجزيرة المصرية، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ما تسبب في سقوط جرحى، وفق الرواية المصرية، لكن روايات أخرى تشير لوقوع قتلى مصريين.
وفي وقت سابق، أكد سائق إحدى شاحنات المساعدات إلى رفح كشاهد عيان “وقوع قصف إسرائيلي متكرر على الأراضي المصرية أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المجندين”، موضحا أنه “لم يمكن حصرهم ولكن تمت مشاهدة العديد منهم”، مشيرا أيضا إلى “إصابة بعض الشاحنات القريبة من معبر رفح”.
ما يحدث في معبر رفح ترتيبات مصرية إسرائيلية
وأعرب رئيس الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى المصري سابقا، رضا فهمي، عن اعتقاده بأنه “لا شيء يحدث على معبر رفح إلا باتفاق ثنائي بين مصر وإسرائيل بما فيه الوضع الحالي على المعبر من تنسيق دخول الأجانب والمصريين وجرحى العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات الإنسانية وحتى توجيه ضربات إلى المعبر من أجل فرض أمر واقع”.
وأضاف أن “كل هذه الأحداث هي ترتيبات أمنية بين الجانبين، والموقف المصري هو موقف متواطئ ومتآمر” بحسب قوله.
وتوقع أن لا يكون هناك رد فعل مصري، و”أي حديث يسوقه النظام على احتفاظه بحق الرد أو أن الأمن القومي المصري على معبر رفح خط أحمر هو للاستهلاك المحلي”.
واعتبر فهمي أن “تصريحات السيسي هي عكس ما يحدث على الأرض، ولا تتفق مع ما يعلنه للرأي العام المحلي والدولي، هناك آلاف الأطنان من المساعدات المكدسة على معبر رفح بحجة أن إسرائيل هي التي تمنع دخولها”.
وعلى المستوى الدولي، قرر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في تحرك نادر، تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لوصف الوضع في قطاع غزة، باعتباره “تهديدا للسلم والأمن الدوليين”.
وبحسب بيان نشر على الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، فإن غوتيريش أرسل خطابا إلى رئيس مجلس الأمن، الأربعاء، يفعّل فيه للمرة الأولى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة “نظرا لحجم الخسائر في الأرواح في غزة وإسرائيل في غضون فترة وجيزة”.
الموقف المصري بين المعلن والواقع
وصف الباحث المصري في الشؤون العسكرية، محمود جمال، الموقف المصري من الاعتداءات الإسرائيلية على معبر رفح بأنه “غير مسبوق ولم يحدث في أضعف حالات مصر السياسية”.
وأضاف أنه “بعد ثورة 25 يناير عندما اخترق الطيران الحربي الإسرائيلي الأجواء المصرية، اعتبرته مصر حينها تعد على سيادتها، وقال المشير حسين طنطاوى الحاكم العسكري حينها إنه أعطى أوامر للدفاعات الجوية المصرية بإسقاط أي طائرة إسرائيلية تدخل أجواء سيناء”.
وأضاف “عقيدة الجيش المصري حتى عام 2013 كانت تصنف دولة إسرائيل على أنها عدو وأن الخطر مصدره من الشرق”.
وتابع بأن “مقولة السادات أن حرب أكتوبر 1973 هي آخر الحروب، لم تمنع الجيش المصري وقياداته من اعتبار إسرائيل عدوا، ولكن بعد الانقلاب العسكري تحولت عقيدة الجيش المصري بشكل حاد حول التطبيع الكامل مع الجيش الإسرائيلي”.
الموقف المصري المعلن، بحسب جمال، هو ما قاله السيسي مع المستشار الألماني بعد عملية طوفان الأقصى بأنه ليس ضد القضاء على المقاومة، وحتى تحقق “إسرائيل” هدفها فإنه يمكن تهجير سكان قطاع غزة إلى صحراء النقب.
وأضاف أن فوقف التهجير يتطلب فتح المعبر من أجل مساعدة الناس في قطاع غزة على استكمال حياتهم بأبسط المقومات، لكن التذرع بعدم القدرة على إدخال مساعدات يساعد بلا شك إسرائيل في حصار وخنق الفلسطينيين ودفعهم نحو معبر رفح المصري”..
وخلص جمال إلى القول إنه “لا توجد إرادة لدى مصر في فتح معبر رفح بشكل كامل والسماح للمساعدات بالدخول وللجرحى بالخروج مع احتدام المعارك في جنوب القطاع وفي مدينة خانيونس”.
ورأى أن “اندفاع مئات الآلاف نحو مدينة رفح الفلسطينية واكتظاظهم في خيام بالقرب من الحدود ليس له سوى معنى واحد أنه عند أول ضربة لتلك المناطق المكتظة، سوف تقتحم جحافل من المحاصرين على المعبر الحدود ولن تجد أمامها سوى مدينة رفح المصرية الفارغة ومنطقة الشيخ زويد حيث وعد الجيش السكان بإعادتهم إليها في أكتوبر الماضي ولكنه حنث بوعوده معهم ولم يسمح بعودة أحد”، مؤكدا على أن “مصر بشكل متعمد تشارك في مخطط التهجير”.