صوت البلد للأنباء –
أسلوب التعلق… المفتاح الخفي لفهم نفسك واختيار الحب الذي تستحقينه
كل امرأة تبحث عن الحب الذي يدوم والأمان الذي لا يتزعزع. ولذلك، نسعى جاهدين لإيجاد “الشريك المناسب” الذي يكملنا ويستوعب اختلافاتنا. ومع ذلك، قد تتفاجئين بأن مفتاح فهم علاقاتك العاطفية ليس بالضرورة في الشريك، بل في طريقة الحب المتأصلة بداخلك، والتي تُعرف بـ أسلوب التعلق في العلاقات. هذا المفهوم، المستمد من علم النفس التنموي، يشرح لماذا نتصرف كما نتصرف في الحب ولماذا ننجذب لأنماط محددة من الشركاء، حتى لو كانت مؤذية.
بالإضافة إلى ذلك، أصبح فهم أسلوب التعلق في العلاقات اليوم من أهم الأدوات التي تستخدمها النساء لتعزيز وعيهن الذاتي واختيار علاقات أكثر صحة واستدامة.
ما هي أنماط التعلق الأربعة من الطفولة إلى الشراكة ؟
في البداية، يجب أن نفهم أن نظرية التعلق، التي صاغها جون بولبي وماري إينسوورث، تؤكد أن تفاعلاتنا مع مقدمي الرعاية الرئيسيين في الطفولة المبكرة تشكل “نموذج العمل الداخلي” لدينا للعلاقات المستقبلية. بالتالي، تتحدد طريقة رؤيتك للحب والأمان. هكذا، ينقسم أسلوب التعلق في العلاقات إلى أربعة أنماط رئيسية تحدد سلوكنا في الحب:
1. التعلق الآمن (Secure Attachment)
على سبيل المثال، الشخص ذو النمط الآمن نشأ في بيئة وفرت له استجابة عاطفية ثابتة وموثوقة. لذلك، هذا النمط يشعر بالراحة في القرب والحميمية ولا يخشى التعبير عن احتياجاته أو التهديد بالتخلي. بالإضافة إلى ذلك، هم الأقدر على بناء علاقات متوازنة، ويتمتعون بحدود صحية، ويثقون بشريكهم دون قلق مفرط.
2. التعلق القلق/المتخوف (Anxious-Preoccupied)
في هذا السياق، نشأ النمط القلق مع استجابة متقطعة وغير متوقعة من مقدمي الرعاية. لذلك، غالبًا ما يشعر هؤلاء الأشخاص بالقلق من أن يتم التخلي عنهم أو رفضهم في العلاقة. بالتالي، يمكن أن يظهر سلوكهم على شكل “التشبث” المفرط، الحاجة المستمرة للتأكيد، وصعوبة في الثقة الكاملة. ومع ذلك، يمكنهم العمل على تهدئة قلقهم من خلال الوعي والتعامل مع العلاقة.
3. التعلق المتجنب/الرافض (Avoidant-Dismissive)
أما بالنسبة للنمط المتجنب، فقد تعلم في مرحلة مبكرة الاعتماد على الذات وقمع الحاجة للقرب، ربما لأن احتياجاته العاطفية لم تلبى باستمرار. لذلك، هم غالبًا ما يشعرون بالضيق من الحميمية المفرطة ويميلون إلى الانسحاب العاطفي أو الجسدي عندما تصبح العلاقة “عميقة جدًا”. علاوة على ذلك، هم يقدرون استقلاليتهم بشدة ويستخدمون المسافة العاطفية كآلية دفاع.
4. التعلق غير المنظم/المُفزع (Disorganized-Fearful)
أخيرًا، هذا النمط هو مزيج من القلق والتجنب، وغالباً ما ينتج عن تجارب طفولة مؤلمة أو مُربكة. إذًا، يرغب الشخص في القرب ولكنه يخشاه بشدة في الوقت ذاته. هكذا، يكون سلوكهم غير متوقع؛ فهم قد يسعون بقوة نحو الشريك ثم يبتعدون فجأة.
لماذا يكرر الناس نمط التعلق في العلاقات؟
في الواقع، يميل العقل الباطن إلى البحث عن المألوف، حتى لو كان هذا المألوف غير صحي. لذلك، نجد النمط القلق غالبًا ما ينجذب إلى النمط المتجنب (والعكس صحيح)، فيما يعرف باسم “الرقصة المتبادلة”. بالتالي، النمط القلق يسعى وراء الأمان بينما النمط المتجنب يهرب منه، مما يؤكد معتقدات كل منهما عن الحب.
على سبيل المثال، تظهر دراسات في علم النفس الزواجي أن الشريك المتجنب يؤكد للشريك القلق أن “الحب غير موثوق”، بينما يؤكد الشريك القلق للشريك المتجنب أن “القرب يخنق”. ومع ذلك، لا يعني هذا أن هذه الأنماط محكوم عليها بالفشل. في المقابل، يمكن للوعي بنمط أسلوب التعلق في العلاقات أن يُمكنك من كسر هذه الدائرة السامة وتحمل مسؤولية ردود أفعالك بدلاً من لوم الشريك.
كيف تبنين علاقة آمنة، بغض النظر عن ماضيك؟
من أجل التحول، يجب عليك أولاً أن تكتشفي نمط تعلقك الخاص. لذلك، ابحثي عن اختبارات موثوقة للتعلق أو استشيري معالجًا نفسيًّا. بالإضافة إلى ذلك، بمجرد تحديد النمط، يمكنك تطبيق استراتيجيات للتخفيف من آثاره:
المعالجة الذاتية (Self-Soothing): إذا كنتِ قلقة، تعلمي تهدئة مخاوفك بنفسك دون الاعتماد الفوري على الشريك. بالتالي، أنتِ تدربين عقلك على الشعور بالأمان الذاتي.
التواصل الواعي (Conscious Communication): إذا كنتِ متجنبة، تدربي على مشاركة مشاعرك وتقديم الدعم العاطفي ببطء للشريك. علاوة على ذلك، حاولي البقاء في المحادثات العميقة بدلاً من الهروب.
اختيار الشريك المدرك: من جهة أخرى، أفضل طريقة لتعزيز التحول نحو التعلق الآمن هي اختيار شريك يمتلك هو نفسه نمطًا آمنًا. لذلك، ابحثي عن شريك يتقبل ضعفك ويوفر الاستجابة الثابتة التي تحتاجين إليها لتهدئة نظامك العصبي. هكذا، يصبح شريكك قاعدة آمنة لك بدلاً من محفز للقلق.
الاستشارة المتخصصة: أخيرًا، لا تترددي في طلب مساعدة مستشار علاقات. حيث إن، العلاج يساعد في “إعادة برمجة” نموذج العمل الداخلي الخاص بك نحو التعلق الأكثر أمانًا.
في الختام، إن فهم أسلوب التعلق في العلاقات ليس مجرد نظرية، بل هو أداة قوية لتمكين المرأة في علاقاتها. أنتِ لستِ مجبرة على تكرار أنماط الماضي. لذلك، كوني واعية، كوني آمنة، واختاري الشريك الذي يعاملك بالاستقرار الذي تستحقينه.












