صوت البلد للأنباء –
في زاوية ما من مشهد التعليم العالي، لا تزال هناك جامعة خاصة – لا نذكر اسمها طبعًا حفاظًا على حياد الحروف – تحولت من مؤسسة أكاديمية إلى معمل سياسي متطور، أشبه بمختبر دفاعي استراتيجي يُنتج كل شيء: من خصومات ورسوم جامعية مخفضة، إلى كراسي وزارية وألقاب رسمية بمواصفات عالية الجودة. مالك هذه الجامعة، أو كما يلقبه المقربون “الجنرال الأكاديمي”، لا يضيع الوقت في متابعة التقييمات أو مراجعة الخطط الدراسية، بل يقود معركة من نوع آخر: معركة “التمكين العائلي”، حيث يتم إعادة ترتيب أوراق المستقبل، ولكن ليس للطلاب فقط، بل لأبناء العائلة الكريمة، وربما حتى للأحفاد – ضمن خطة خمسينية. الرجل لا يُخفي طموحه؛ هو يرى أن الجامعة ليست فقط مؤسسة تعليمية، بل منصة إطلاق سياسية متطورة، فيها كل ما يلزم من تقنيات: دهاء سياسي، ذكاء اصطناعي، وعلاقات عامة مزوّدة بمحركات نفاثة. وإن صدقنا التسريبات، فالإبن المدلّل بات على مشارف “العطوفة”، وربما يحطّ قريبًا على كرسي “المعالي”، في مهمة وطنية سامية تبدأ من المدرج وتنتهي في الوزارة. في هذا المصنع الوطني لإنتاج القيادات، لا يحتاج الطالب إلى معدل مرتفع، بل إلى توصية مناسبة. أما مناهج التفكير النقدي؟ فهي محفوظة في الأدراج. والامتيازات تُصرف حسب الولاء، لا الأداء. الكفاءة؟ موضوع نسبي. والابتعاث؟ محسوب بالدين والدينار. أما الطريف، فهو أن الجامعة باتت تصدّر خريجين في تخصصات دقيقة، أهمها: “فنّ إدارة العلاقات”، و”هندسة المصالح”، و”البرمجة الاجتماعية للظهور التلفزيوني”، مع ماجستير اختياري في “المشهدية الوطنية التجميلية”. كل ذلك يجري في صمتٍ تام، وسط سُحبٍ من الابتسامات الرسمية، وبيانات العلاقات العامة، وصور الاجتماعات التي تُنشر بدقة كل خميس. الوالد – رئيس مجلس التخطيط العائلي – يؤمن بأن من حقه أن يضمن الكرسي لابنه. ولم لا؟! طالما أن التعليم أصبح بوابة للمناصب، والمناصب لا تحتاج إلا إلى “علاقات عامة” بتمويل خاص، وابتسامات دبلوماسية مصقولة ببيان إعلامي قوي. باختصار… هذه ليست جامعة، بل منصة إطلاق متعددة الاستخدامات. أما التعليم؟ فـ”عرض جانبي”