صوت البلد للأنباء –
تزايدت أخيراً، وقبل حرب غزة، آراء لشخصيات يهودية مؤثرة في إسرائيل وخارجها، تعتبر إسرائيل كدولة “أبارثايد”، بل وفاشية، إضافة إلى كونها دولة استعمارية، تحتل أراضي الشعب الفلسطيني، كما ظهر في تقارير منظّمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيليم”؛ وما أكّدته تقارير صادرة عن منظمات دولية مثل “هيومن رايتس ووتش”، و”أمنستي”، والأمم المتحدة.
هذا أبراهام بورغ (رئيس كنيست وأحد قادة حزب العمل سابقاً)، يرى أنّ “الكارثة والقوة وحكم شعب آخر والأرض… أصبحت جوهر اليهودية”، مشبّهاً ذلك بصعود النازية في ألمانيا، حيث “عملت حركة سياسية… على يد أدولف هتلر… أسسها النازية والقومية الألمانية والعنصرية، واللاسامية، ومناهضة الليبرالية والديموقراطية والشيوعية”.
ويتابع: “أوجدوا الفرق بينها وبين حركة يمينية متطرّفة في إسرائيل في الربع الأول من القرن الـ 21، تُقاد طوال هذه السنين من قِبل بنيامين نتنياهو… وأسسها القومية اليهودية المتطرّفة والعنصرية… ومناوئة للعرب… ومناهضة الليبرالية… والديموقراطية… والمساواة الاقتصادية والاجتماعية… في الحكومة والكنيست ووسائل الإعلام وعلى قمم التلال وشوارع المدن… نحن نتصرف بالفعل في المناطق التي قمنا باحتلالها في الضفة وغزة… كما تصرّف النازيون في المناطق التي احتلوها في الغرب… لم نقم بإنشاء معسكرات إبادة كما فعلوا… لكن كم هو فظيع أننا مجبرون على طرح هذه الحقيقة باعتبارها تميّزنا عن النازيين”. (“هآرتس”، 5/9/2023).
واضح أنّ المغزى هنا هو الانتباه إلى حقيقة مفادها أنّ التمييز العنصري ضدّ الفلسطينيين، من النهر إلى البحر، لم يعد يتعلّق بسياسات جزئية، بل بات سياسة للدولة في مركبها القانوني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، إذ تمّ ترسيمه بسنّ الكنيست (2018) قانون أساس (دستوري) يعتبر إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، ما يجعل فلسطينيي 48، من مواطني إسرائيل، في درجة دنيا، إذ ليهود إسرائيل فقط حق تقرير المصير فيها باعتبارها دولتهم! ويفضح يوسي كلاين خواء، أو تناقض، الادّعاء القائل إنّ إسرائيل يهودية وديموقراطية، فبرأيه: “اليهودية والديموقراطية” هدف خيالي… دولة يهودية… دولة شريعة، ليست ديموقراطية… فجوة بين اليهود العلمانيين والليبراليين وحفنة الفاشيين المتدينين… السيطرة والاحتلال ليست وسيلة بل غاية… الفاشية اليهودية تضع الدولة فوق الفرد”. (“هآرتس”، 28/9/2023).
ولعلّ حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، التي تضمّ أقصى أحزاب اليمين القومي والديني، أكبر تعبير عن ذلك، خصوصاً مع تصريحات عديدة عنصرية لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بقوله إنّ تنقّله مع زوجته وأطفاله “أهم من حرّية حركة العرب في الضفة”، ولوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا إلى محو قرية حوارة الفلسطينية (قرب نابلس)، وعندما عرض “خريطة إسرائيل” تضمّ الأراضي الأردنية، ولوزير الحرب الإسرائيلي أولاف غالانت الذي شبّه الفلسطينيين بحيوانات، وذلك على سبيل المثال.
واضح أنّ ذلك التحوّل، أو ذلك الوضوح، في عنصرية إسرائيل، تضافر، وتزامن، مع محاولات حكومة نتنياهو إحداث تغييرات في النظام السياسي الإسرائيلي، بإضعاف السلطة القضائية (وعنوانها المحكمة العليا)، وبتغليب طابعها كدولة يهودية على طابعها كدولة ديموقراطية، وتغليب القوانين الدينية على العلمانية، أي أنّ زيادة جرعة العنصرية ضدّ الفلسطينيين، انتقلت بعدواها إلى علاقة الأطراف والتيارات اليهودية ببعضها في إسرائيل.
ما تقدّم يفسّر صعود أصوات لشخصيات يهودية تقرن معارضتها أي تغيير في النظام السياسي في إسرائيل بفضحها سياساتها العنصرية ضدّ الفلسطينيين. مثلاً، يقول إيهود باراك (رئيس الحكومة الأسبق): “هذا حلف فاسدين… مع عنصريين… واجب كل مواطن… الكفاح في سبيل الوطن… والمساواة، وفي سبيل أخوة الإنسان، كرامته، حقوقه، وحرّيته”. (“يديعوت أحرونوت”، 13/1/2023).
وقد وصل الانشقاق بين الإسرائيليين إلى حدّ أنّ قطاعات وازنة نوعيّاً في المجتمع الإسرائيلي باتت تناهض حكومة نتنياهو، وسياساتها ضدّ الفلسطينيين، وهو ما عكس نفسه حتى في رفض إدارة البيت الأبيض استقبال نتنياهو في واشنطن.
فهذا تامير باردو (الرئيس السابق لجهاز الموساد) يعتبر أنّ “إسرائيل تطبّق نظام فصل عنصري في الضفة الغربية.” يقول باردو: “كل يوم يمرّ يقربنا من نهاية الحلم الصهيوني. مسيحانيون وفاشيون ربطوا كتلة حريدية مناهضة للصهيونية برئيس وزراء غيّر جلدته وحوّل حزبه من ديموقراطي – يميني إلى ديكتاتوري أرثوذكسي عنصري… العنصريون الفاشيون يتطلعون للوصول إلى حرب جوج وماجوج في نهايتها، بمعونة الرب، يهزم اليهود الباقين”.
وكان النائب السابق لرئيس الموساد عميرام ليفين صرّح “أنّ ما تشهده الضفة الغربية، بعد 57 عاماً من الاحتلال، هو أبارثايد، وأنّ الجيش الإسرائيلي بدأ بالتورط في جرائم حرب… تذكّر بالعمليات التي حدثت في ألمانيا النازية… لدى القيام بجولة في مدينة الخليل، ستصادف شوارع لا يستطيع العرب السير فيها… إنّه يتعيّن على الإسرائيليين التعامل مع هذا الواقع، على الرغم من صعوبته، وعدم تجاهُله كأنّه لا يعنيهم”. (“يديعوت أحرونوت”، 7/9/2023).
أما ايريس ليعال، فوجّه انتقاده لبعض الشخصيات المسؤولة التي تنبّهت أخيراً فقط لواقع الأبارثايد، بعدما بات يمسّ بها، بقوله: “ما الذي يحدث مؤخراً لكبار المسؤولين في جهاز الأمن، الذين على الفور بعد تقاعدهم ينضمون إلى اليساريين؟ لأنّ هذا هو احتلال سموتريتش وبن غفير، وليس مثلاً احتلال بني غانتس؟!”. وعنده فإنّ إسرائيل تمارس “نظام الأبارثايد، وجرائم ضدّ الإنسانية… الآن… ومن قبل… الحقيقة ستبقى على حالها وهي أنّه لا توجد ديموقراطية مع الفصل العنصري”. (“هآرتس”، 11/9/2023).
النقد الإسرائيلي لإسرائيل الاستعمارية والعنصرية غني وعميق، مع شخصيات مثابرة مثل: ايلان بابيه وإيلا شوحط وابراهام بورغ وشلومو ساند ونورمان فنلكشتاين وعميره هس وجدعون ليفي وأفي شلايم وباروخ كيمرلنج وأوري رام وجرشون شافير، ومهم الاستثمار به، لكن مشكلته افتقاده لعوامل ضغط عربية ودولية على إسرائيل، وافتقار الخطاب السياسي الفلسطيني لمقاربات مماثلة تتقاطع معه، ولا شك في أنّ افتقاد الفلسطينيين لرؤية نقدية مسؤولة لتجربتهم الوطنية، الغنية والمديدة والباهظة، يُسهم في إضعاف النقد الإسرائيلي، أيضاً.