صوت البلد للأنباء –
يحلّ عيد الفطر على أهالي قطاع غزة للعام الثاني على التوالي وسط أجواء من الحزن والخوف، ومع استمرار العدوان الصهيوني الذي عمّق الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وجعلها أكثر مأساوية، وتحولت الأسواق إلى أماكن شبه خالية نتيجة عزوف المواطنين عن الشراء بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار بشكل يفوق قدرتهم، كما ساهم غياب الاستقرار في تحويل العيد إلى يوم خالٍ من الفرح، بينما يواصل الغزيون صراعهم اليومي لتأمين لقمة العيش، متأملين فرجًا قريبًا.
في جولة ميدانية داخل سوق الشيخ رضوان بمدينة غزة، اختلف مشهد العيد تمامًا عن الأعوام السابقة، وكانت المحلات تعج بالمتسوقين وتنبض بالحيوية، لكنها أصبحت شبه خالية، وأصحابها الذين اعتادوا على ضجيج الزبائن وضحكات الأطفال، يجلسون على أبواب محلاتهم، يحدقون في الفراغ، عيونهم مليئة بالأسئلة، وأرواحهم مثقلة بالحزن، ينتظرون زبونًا قد لا يأتي، بينما حلّ مكان حلم العيد انتظار طويل، مليء بآلام الماضي وحزن الحاضر.
الحزن يكسو وجوه الغزيين
يتجول المواطن حسني التلولي في السوق، وتبدو على وجهه ملامح الحزن والتساؤل عن أيام مضت، وسط المكان الذي كان في الماضي يعجّ بالفرح، متحسرًا على اللحظات التي كانت مليئة بالحياة والبهجة، قائلاً لـ “كانت أيام العيد في الأعوام الماضية هنا مليئة بالضحك والفرح، والسوق كان مكتظًا بالمتسوقين، والأطفال يلهون بالألعاب التي كانت تنبض بالحياة في كل زاوية، كان هناك جوٌّ من البهجة يملأ الأجواء، وكل شيء يبدو مختلفًا”.
ويضيف التلولي بصوتٍ مليء بالحزن: “غابت تلك المظاهر وسط الدمار الواسع الذي يعصف بكل شيء الآن، ولم يعد هناك شيء يذكرنا بتلك الأيام السعيدة، فالناس في حالٍ غير مستقرة، والعيد أصبح مجرد ذكرى بعيدة”، مشيراً إلى أنّ “الوضع الاقتصادي مرير، والأسعار مرتفعة بشكل غير طبيعي، ما يجعل الشراء مستحيلًا للكثيرين، كما أن إغلاق المعابر فاقم الأزمة وتسبب في شح البضائع، لا توجد أجواء للعيد، فقط صمت يملأ المكان، وقلوب مثقلة بالألم والقلق”.
أحلام الأطفال تصطدم بواقع مرير
أما أحلام أبو حليمة، فتحاول رسم ابتسامة على وجوه أطفالها رغم الواقع القاسي الذي تعيشه، وتتنقل بين المحال في السوق، وعيونها تراقب الألعاب التي طالما حلموا بها، لكنها تصطدم بأسعار مرتفعة لا تتيح لها تلبية رغباتهم البسيطة، وأطفالها يصرون على شراء تلك الألعاب، بينما هي عاجزة عن تحقيق أحلامهم، ما يملأ قلبها بالحزن.
تقول أبو حليمة لـ بألم ومرارة: “الأوضاع الأمنية استنزفتنا تمامًا، وكل يوم هو تحدٍّ جديد، نزوح متكرر من مكان لآخر، وغلاء فاحش يلتهم ما تبقى من قوتنا، ولم يعد لدينا أمل في حياة مستقرة، كل شيء أصبح بعيد المنال، حتى أبسط احتياجاتنا اليومية أصبحت حلمًا بعيدًا، نحاول أن نعيش، لكننا نكافح كل لحظة للبقاء على قيد الحياة وسط هذه المعاناة”.
وتضيف: “العيد لم يعد كما كان، لم نعد نحتفل كما كنا نفعل في الماضي، ولم يعد هناك أي مكان للفرح وسط هذه الظروف القاسية، فكل شيء غالٍ جدًا، الأسعار تضاعفت مقارنة بالعام الماضي. بالكاد نستطيع تأمين الطعام، فكيف نشتري الملابس والحلويات؟ العيد فقد طعمه”، مشيرةً إلى أنّ أطفالها اعتادوا ارتداء الملابس الجديدة واستقبال العيد بالفرح، يعيشون عيدًا خاليًا من البهجة، بينما تعيش في انتظارٍ دائم لفرج لا تعرف موعده، وتحمل في قلبها أملًا ضعيفًا أن يأتي يوم يتحسن فيه الحال.
معاناة لا تنتهي وأحلام أُطفئت
وفي لقاءٍ عابرٍ مع إسماعيل جودة، أحد السكان الذي يعيش في قلب المعاناة اليومية جراء العدوان المتواصل والأوضاع الاقتصادية الصعبة، كانت الكلمات التي ينطق بها محمّلة بألمٍ عميق، يوضح لـ أنّ “الأعياد كانت دائمًا فرصة للفرح والتجمع العائلي، والأسواق تعج بالزينة والضحكات، لكن الحياة أصبحت لا تُطاق، وكل شيء تغير وانقلب رأسًا على عقب، والقلوب مملوءة بالهموم”.
ويشير جودة إلى أنّ “الألم أصبح واضحًا على وجوه المواطنين، حتى أصبح التعب والهم يقرؤون في ملامحهم قبل أن يتفوهوا بكلمة، ووجوههم تحكي قصة معاناة لا تنتهي، معاناة حفرها العدوان في تفاصيل حياتهم اليومية، وجعلها جزءًا من ملامحهم التي لا تفارقهم”، مبيناً أنّه “لا أحد يفكر في العيد، ولا أحد يتحدث عن ملابس العيد أو حلويات العيد أو حتى الزيارات العائلية التي كانت تُشعرنا بالبهجة في ظل الخوف وحالة الترقب بسبب تواصل الاستهداف المستمر”.
ويتابع إسماعيل: “عندما تنظر إلى الناس، ترى في أعينهم أحلامًا أُطفئت وأسئلة بلا أجوبة: أين سيذهبون بعد تدمير منازلهم؟ وكيف سيحصلون على لقمة العيش؟ وهل سينجون من الموت؟ أرواحهم منهكة وأجسادهم مرهقة من الصدمات المتتالية، ولا يملكون رفاهية التفكير في العيد، لأن البقاء على قيد الحياة أصبح الهدف الأسمى”.
إغلاق المحلات وركود السوق
ومع استئناف الاحتلال “الإسرائيلي” عدوانه على قطاع غزة، وإغلاق المعابر منذ الثاني من مارس/ آذار، وتصعيده العسكري في 18 من نفس الشهر، تغيرت الأوضاع بشكل جذري، حيث أغلقت العديد من المحلات التجارية بسبب نقص البضائع نتيجة الإغلاق المستمر، بينما أصبحت المحلات المتبقية تغلق قبل أذان المغرب خوفًا من تدهور الأوضاع الأمنية، بينما تستمر معاناة المواطنين بين ركام الحرب وغلاء الأسعار.
من جانبه، يؤكد أدهم العامودي، صاحب أحد محال الملابس، أنّ الوضع في السوق لم يكن بهذا السوء من قبل، ولم أرَ هذا الركود في حياتي”، لافتاً إلى أنّ “البضائع شحيحة بسبب الإغلاق المستمر، والأسعار مرتفعة مقارنة بالأعوام السابقة، ما زاد من معاناة الأهالي”.
ويشير إلى أنّ الأسواق كانت تشهد ازدحامًا كبيرًا مع اقتراب عيد الفطر، حيث يقبل المواطنون، خاصة منذ منتصف رمضان، على شراء الملابس والألعاب لأطفالهم استعدادًا للعيد، لكن الحرب أعدمت الموسم تمامًا، وجعلت الأولوية لتأمين الاحتياجات الأساسية فقط، مؤكدًا أنّ “الفرح اختفى من وجوه الناس، ولم يعد أحد يفكر بالعيد كما كان في السابق”.
البهجة تغيب عن وجوه الأطفال
أما مهند الشرافي، صاحب بسطة ألعاب في سوق الزاوية، فيؤكد في حديثه أنّ “الأوضاع الحالية لا تشبه أي عام مضى، فعادة في مثل هذا الوقت كانت البسطات تمتلئ بالزبائن، وكان الأطفال يفرحون بالألعاب الجديدة التي يحصلون عليها بمناسبة العيد، لكن هذا العام الأمر مختلف تمامًا، فالحرب الأخيرة تركت الناس في حالة نفسية متعبة، والظروف الاقتصادية الصعبة أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية”.
ويشير الشرافي إلى أن ّكثيرًا من العائلات كانت تحرص في السابق على إدخال الفرحة إلى قلوب أطفالها، حتى في أحلك الظروف، لكن هذه المرة، أصبحت الأولوية باتت لتأمين الاحتياجات الأساسية من طعام وشراب، موضحاً أنّ “الأطفال أصبحوا يدركون أن الوضع صعب، فعندما يسألني أحدهم عن سعر لعبة معينة، ينظر بعدها إلى والدته أو والده بحزن، وكأنه يعلم مسبقًا أنهم لن يستطيعوا شراءها”.
ويختتم الشرافي حديثه بحسرة: “الموسم شبه ميتٌ، فالتجار يعانون من الركود والخسائر، والمواطنون يمرون بأوضاع لم يشهدوها من قبل، والفرحة التي كانت تميز العيد تبددت تحت وطأة العدوان والمعاناة الاقتصادية، فحتى من يملك القليل من المال، يخشى إنفاقه على الكماليات، لأن المستقبل مجهول، والوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ولم يعد العيد عيدًا”.
في غزة، يحلّ عيد الفطر بلا فرح ولا زينة، مثقلاً بالألم والمعاناة، وسط مشاهد الدمار وأصوات الصواريخ التي سرقت بهجته، فالأسواق خاوية، والوجوه شاحبة، تروي قصصاً النزوح والفقدان، بينما تتعلق القلوب بين الخوف من الغد والحنين لأعيادٍ مضت، ولم يعد العيد كما كان، فالبقاء على قيد الحياة بات هو الأولوية، في انتظار لحظة تنطفئ فيها نيران الحرب، ليعودوا إلى حياةٍ كانت يومًا عادية