صوت البلد للأنباء –
صدرت الإرادة الملكية السامية قبل أيام بحل مجلس النواب التاسع عشر، حيث تزامن صدور هذا الأمر الملكي مع اقتراب موعد الترشح للانتخابات النيابية القادمة على مستوى الدوائر المحلية والدائرة الانتخابية العامة، مما سيضمن تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، وذلك تكريسا لأحكام المادة (6/1) من الدستور. إن حل مجلس النواب لن يكون له أي تبعات دستورية على الحكومة القائمة، والتي هي بمأمن من تقديم استقالتها، ذلك على اعتبار أن قرار الحل قد صدر خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عمر مجلس النواب المنحل، وعليه، تكون الحكومة في منأى من تطبيق المادة (74/2) من الدستوري بحلتها المعدلة في عام 2022، والتي أوجبت عليها الاستقالة خلال أسبوع إذا كان قرار الحل قد صدر قبل الأشهر الأربعة الأخيرة التي تسبق انتهاء مدة المجلس. ويبقى التساؤل الأبرز حول أثر حل مجلس النواب على مجلس الأعيان، حيث رسم المشرع الدستوري العلاقة بين المجلسين فيما يخص دورات الانعقاد، وتبعات صدور القرار بحل مجلس النواب على مجلس الأعيان، فنصت المادة (66) من الدستور على أن يجتمع مجلس الأعيان عند اجتماع مجلس النواب وتكون أدوار الانعقاد واحدة للمجلسين، وأنه خلال فترة عدم انعقاد مجلس النواب لا يكون هناك مجال لاجتماع مجلس الأعيان. وتكمن الفلسفة الدستورية في ربط اجتماعات مجلس الأعيان بالدورات البرلمانية التي يعقدها مجلس النواب في أن المشرع الدستوري قد أعطى المجلس المنتخب الحق في أن يطلب عقد دورة استثنائية، وذلك بعريضة خطية مقدمة إلى جلالة الملك من الأغلبية المطلقة من أعضائه تتضمن الأمور التي يراد البحث في الدورة الاستثنائية. فهذه الصلاحية المتعلقة بطلب عقد دورة استثنائية قد قصرها المشرع الدستوري على مجلس النواب وحده دون الأعيان، وذلك ضمن مظاهر المحاباة التي أظهرها الدستور الأردني للمجلس النيابي المنتخب على حساب المجلس المعين. أما الأثر الدستوري الأبرز لحل مجلس النواب على مجلس الأعيان، فيكمن في أنه وخلال الفترة التي يُحل فيها مجلس النواب، توقف جلسات مجلس الأعيان بحكم الدستور، فلا يحق لمجلس الحكماء والعقلاء في السلطة التشريعية أن يعقد أي اجتماع له تحت القبة خلال الفترة التي يكون فيها مجلس النواب منحلاً، والسبب في ذلك أنه مجلس الأعيان يجتمع مع مجلس النواب، وأن أدوار الانعقاد هي واحدة للمجلسين. في المقابل، فإن حل مجلس النواب لا يؤدي بالضرورة إلى حل مجلس الأعيان، ذلك أن صلاحية جلالة الملك بحل مجلس الأعيان تكون مستقلة عن حقه في حل مجلس النواب، ويمارسها بإرادة ملكية خاصة هذه الغاية، فما يميز الأمر الملكي بحل مجلس النواب عن ذلك المتعلق بحل مجلس الأعيان، أن الإرادة الملكية بحل مجلس النواب تصدر وفق أحكام الفقرة (1) من المادة (40) من الدستور، وتحمل توقيع كل من رئيس الوزراء والوزير المختص، ويثبت الملك توقيعه فوق التواقيع المذكورة. أما الإرادة الملكية السامية بحل مجلس الأعيان، فهي تصدر استنادا لأحكام الفقرة (2) من المادة (40) من الدستور، التي تحكم الإرادات الملكية التي تصدر بتوقيع جلالة الملك المنفرد عليها، والتي لا تحتاج إلى مشاركة رئيس الوزراء وأي من الوزراء عليها. ويثور التساؤل الدستوري الأبرز حول المغزى من الإبقاء على مجلس الأعيان خلال الفترة التي يُحل فيها مجلس النواب والتي يمكن أن تمتد لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر وفق أحكام المادة (73/1) من الدستور، وفي هذا السياق، يرى البعض أنه من الأفضل حل مجلس الأعيان عند رحيل مجلس النواب وذلك لعدم جدوى الإبقاء عليه في ظل الحظر المفروض على أعضائه بعدم عقد أي اجتماع تحت القبة. إلا أن حل مجلس الأعيان عند رحيل مجلس النواب يعني بالنتيجة تغييب مجلس الأمة بشكل كامل، وهذا بدوره سيؤدي إلى تغييب الدبلوماسية البرلمانية التي يمكن أن تمارسها السلطة التشريعية من خلال رئيس مجلس الأعيان والأعضاء فيه لمدة قد تصل إلى أربعة أشهر. كما يتمثل السبب الأهم في الإبقاء على مجلس الأعيان وعدم حله عند إنهاء حياة مجلس النواب، أن وجود المجلس المعين ورئيسه هو استحقاق قانوني لغايات تطبيق قانون الموازنة العامة لعام 2024، فالمادة (7) من هذا القانون تنص على أن “يتولى صلاحيات رئيس الوزراء ومجلس الوزراء ووزير المالية فيما يتعلق بالأحكام المالية والإدارية المتعلقة بمجلس الأمة رئيس مجلس الأعيان إذا تعلق الأمر بمجلس الأعيان، ورئيس مجلس النواب إذا تعلق الأمر بمجلس النواب، ورئيس مجلس الأعيان إذا تعلق الأمر بمجلس النواب وكان المجلس منحلا”. وعليه، ولغايات تنفيذ قانون الموازنة العامة وصرف المخصصات المالية لمجلس الأمة والتي تتمثل برواتب للموظفين وباقي النفقات الأخرى، فإنه يجب أن يبقى مجلس الأعيان خلال فترة حل مجلس النواب، بحيث يقوم رئيسه بممارسة صلاحيات رئيس الوزراء ووزير المالية في الأمور المالية والإدارية المتعلقة بمجلسي الأعيان والنواب.