صوت البلد للأنباء –
مالك العثامنة
التحشيد من زاوية الخندق المقابل في موضوع المظاهرات فيه سوء نية.
فإذا اتفقنا أننا دولة مؤسسات تحكمها القوانين (أو أننا نسعى لذلك مطالبين به)، وأن المظاهرات المؤيدة لغزة والمنددة بالعدوان الوحشي الإسرائيلي قوة إسناد للموقف الرسمي الأردني في تحقيق المطلب الضرورة بوقف إطلاق النار وكل مظاهر الاعتداء في غزة، مع اتفاقنا “البديهي” أن الدولة بمؤسساتها وقوانينها وتعليماتها ولوائحها تعمل على تنظيم تلك المظاهرات وأن هذا التنظيم المعزز بقوة القانون والمؤسسات المؤهلة لحفظ القانون وتطبيقه هدفه الأمن العام “وهنا العبارة تأتي في سياق معناها لا اسما فقط لمؤسسة رسمية وظيفتها أصلا تحقيق ذلك الأمن العام”، وهذا ببساطة يعني تحقيق الأمن للجميع بلا استثناء، فإن اتفقنا على ذلك كله، نكون الدولة التي يريدها الجميع بكامل صحتها وعافيتها، أما التحشيد عكس التيار الطبيعي فلا يكون إلا تقويضا للدولة ومفهومها الصحي الذي نريده، وسوء النية يكون واضحا بلا التباسات في نوايا قوى التحشيد لجر “الدولة كاملة” إلى حالة فوضى شاملة وتهديد لأمن الدولة نفسه.
زميل صحفي رفيع المناصب سابقا في مؤسسة صحفية تلفزيونية عربية، ويبدو أنه يتكئ على “منصبه الإداري السابق” كثيرا ليكرس نفسه صاحب مدرسة في التنظير “السياسي” يقول في تغريدة وصلت إلى الآلاف من مريدي حوزة التيار الإخواني الذي ينتمي زميلنا إليه، أن “الأطفال زينة المظاهرات” ثم يستطرد في دعوته وتحشيده لحضور الأطفال في مظاهرات دعم غزة “وهنا نتحدث عن مظاهرات منطقة الرابية” ويؤكد بطريقة “تربوية حاسمة” أن لا فعالية تناسب الأطفال مثل التضامن مع غزة مع مقارنة بمشاركة الأطفال لصالح مصابي السرطان!! الفرق النوعي الكبير بين الفعاليتين تم التغلب عليه بالحيلة اللغوية التي تدغدغ العواطف “ولا تلغي حقيقة فداحة المفارقة” بأن الاحتلال الإسرائيلي سرطان أيضا!
ويستطرد زميلنا “رفيع المنصب السابق” فيقول أن مشاركة الطفل تجعل منه “إنسانا بني آدم” صاحب كرامة وفزعة أولا ويتعاطف مع غيره ثانيا، وأخيرا ستمكنه المشاركة في مظاهرات ليلية متأخرة فيها استفزاز يستهدف رجال الأمن أن يعرف حقوقه الدستورية.
شخصيا لا أفهم كيف يمكن تحقيق ذلك في حشد جماهيري مزدحم في مساحة جغرافية ضيقة أمام مبنى مهجور بين حشود غاضبة ومشحونة بالقهر ثبت بالفيديوهات والتوثيق المصور وشهود العيان الكثيرين من مشاركين أن بينهم عديدا من موتورين واحتمالية حضور مثيري فتنة وشغب وممارسات غاضبة قد تصل في لحظة غضب إلى رمي حجارة وتكسير ودعوات “على الإنترنت” للقيام باعتداءات على رجال الأمن.
الحقوق الدستورية يمكن أن يفهمها الطفل بتكريس مفهوم “الدولة” في داخله بطرق أكثر أمانا من وسائل الإيضاح “التربوية المشوهة” التي يقترحها الزميل في ميادين المظاهرات التي تحمل دوما احتمالية اشتعال أعمال العنف فيها أمام الأطفال وقد تنتهي بضحايا منهم. إلا إذا كان هناك من يريد الاستفادة على الأرض من ضحايا أطفال.
الزميل قام بدعم رسالته التربوية الغريبة بتغريدة لآخر يقارن فيها حضور من هم دون 18 سنة لفعاليات مثل مباريات كرة القدم “الوحدات والفيصلي تحديدا” أو مهرجان جرش. وهي مقارنة خبيثة لا تعني أن حضور الأطفال لتلك الفعاليات مسموح على إطلاقه، لكنه مقيد بتعليمات واضحة إن تجاهلها البعض فهي تفضي إلى كوارث أيضا.
وهي فرصة جيدة لإلقاء الضوء على مجمل القوانين والتعليمات واللوائح التي يجب إعادة النظر فيها حول حضور الأطفال ومشاركاتهم في أي فعاليات لغاية حفظ أمنهم وسلامتهم الشخصية.
أما تضامنهم مع أقرانهم الأطفال في غزة، فيمكن تعزيزه بطرق أكثر أمانا لهم، وتوعية أشمل بوسائل إيضاح لا تضعهم في مهب الخطر وينتهون خسائر إضافية فوق خسائرنا بأطفال غزة.
أطفالنا زينة الحياة..لا جسور “بشرية” لمشاريع فوضى.