صوت البلد للأنباء –
لنتخيل سويًا مشهدًا يجلس فيه رجل وامرأة في غرفة نومهما على السرير بعد العشاء. ترتدي المرأة قميص النوم، ويبادر الرجل ببعض الممارسات الحميمية. يتطور الأمر لممارسة الجنس.
يبدو مشهداً تقليدياً حيث الرجل هو من يبادر بإبداء الرغبة وأخذ خطوات لممارسة الجنس. يمكن ربط ذلك ببعض المفاهيم المجتمعية السائدة للرجولة والأنوثة التي تفيد بأن الرجال أكثر إقداماً، ربما يعتبر البعض -وإن كانت معلومة غير علمية- أن رغبة الرجال الجنسية أكبر من النساء.
أو يمكننا تحليل ذلك بأن النساء لا يعبرن عن رغبتهن الجنسية في كثير من الأحيان، لأن تعبيرهن قد يكون مرتبطاً بالشعور بالخزي أو الخجل على أقل تقدير.
يتوقع المجتمع من المرأة أدوار ترتبط فقط بالانتظار والاستعداد والتقبل وعدم الرفض، بينما يتوقع من الرجل السعي والمبادرة وبذل الجهد.
وبسبب الترسخ الشديد لهذه التوقعات المرتبطة بأدوار الرجال والنساء في الممارسة الجنسية، يرى البعض العمليات البيولوجية وكأنها أصل هذه الأدوار الاجتماعية. لدرجة أنني سمعت إحداهن تشبه ذلك بانتظار البويضة للحيوان المنوي خلال عملية التخصيب: فالبويضة تجلس مستقرة في مكانها وتنتظر وصول الحيوان المنوي، والحيوان المَنْوِيّ هو من يحاول ويسعى للوصول إلى البويضة.
ولكن في هذا المقال، سنتأمل سوياً المشهد السابق، ومشاهد أخرى.فلقد تحدثنا مع بعض النساء عن خبراتهن الشخصية مع فكرة المبادرة، وكيف يعبرن لشركائهم/ن عن رغبتهن في ممارسة الجنس وكيف يستقبل شركائهن/م تلك المبادرة.
طرق مختلفة للتعبير عن الرغبة
قبل الزواج، تتجهز النساء من خلال القيام بالكثير من الاستعدادات؛ سواء كانت استعدادات جسمانية، كالاهتمام أكثر بالجسد، وإزالة الشعر وغيرها. كما تستعد بالتجهيز لمنزل الزوجية.
جزء كبير من هذا الاستعداد هو شراء الملابس المثيرة “اللانجيري”. تمتلئ مجموعات النساء على السوشيال الميديا خاصة التي ترتبط بالزواج، بالحديث عن اللانجيري؛ ما عدد القطع المناسبة للاستعداد للزواج؟ ما هي الأشكال والأنواع المختلفة؟ ما هو الستايل المناسب لكل جسد؟
قد يعتبر الكثير من النساء أن اللانجيري هو مجرد أداة لإمتاع الشريك؛ فيرتدونه حتى لا يصيب الفتور العلاقة. ولكن هل يحمل اللانجيري في معانيه إشارة غير صريحة باستعداد تلك المرأة ورغبتها في ممارسة الجنس؟
حينما نتخيل أن المبادرة للممارسة الجنسية تحدث فقط من خلال التعبير الصريح، فإننا نختزل الكثير من طرق التعبير الأخرى، والتي ربما تكون مرتبطة في أذهاننا أيضًا بممارسة الجنس.
في الحقيقة، نادراً ما تبدأ ممارسة الجنس بأن يعبر أحد الأطراف عن تلك الرغبة بشكل صريح، وإن كانت تلك الاحتمالية موجودة وواقعية. ولكن في كثير من الأحيان يحدث ذلك التعبير بشكل مستتر أكثر، ربما حتى تتكون لغة أو شفرة خاصة لكل شريكين.
دعونا لا نغفل ضرورة التأكد من الموافقة!
عندما نتحدث عن التعبير عن الرغبة في ممارسة الجنس بالتلميح أو بشكل غير صريح، من المهم أن نتحدث عن مفهوم الموافقة والتراضي (Consent)، وكيف يمكن أن يضيف طبقة من التعقيد على هذا الأمر.
من الضروري في كل العلاقات التأكد من تحقق موافقة الطرفين. وفي حقيقة الأمر، تلك الموافقة لا تكون دائمًا موافقة لفظية “نعم أرغب في ممارسة الجنس”، بل في الكثير من الأحيان، تكون إما إيحاءً، أو في أوقات أخرى قد يعتبر البعض عدم الرفض موافقة ضمنية.
في العلاقات الطويلة، يطور الشركاء طريقة تواصل خاصة بهم، سواء من خلال إشارات وكلمات وأفعال معينة قد تحمل دلالات الموافقة أو الرفض.
يمكننا التفكير أيضاً في أن طول مدة العلاقة تجعل الشركاء أكثر وعياً بلغتهم المشتركة والتلميحات الخاصة بهما ومعنى كل تلميح.
على سبيل المثال، من الممكن أن تقول الشريكة أنها “مصدعة شوية” فيفهم الشريك أن ذلك يعني عدم رغبتها في ممارسة الجنس دون الحاجة إلى الدخول في حديث أطول. وبناءً على ذلك، يمكننا استنتاج أن في العلاقات الطويلة قد تأخذ الموافقة أشكالًا ضمنية، كما هو الحال مع الرفض.
قد يعتبر البعض أن العلاقات طويلة المدى تحتوى بشكل ضمني على موافقة “عامة” على ممارسة الجنس، طالما توفرت تلك الموافقة “العامة” منذ البداية.
ولكن في الواقع يمكن لهذه الموافقة “العامة” أن تتغير في أي وقت، فيوجد دائما موافقة لحظية تتعلق ربما بالمزاج، أو التوقيت، أو الاستعداد الشخصي في تلك اللحظة. ومن المهم هنا التأكيد على أن دائمًا ما يكون هناك مساحة للتأكد من قبول أو رفض الشريك/ة شفهيًا في حالة عدم التأكد من أنك فهمت التعبير الضمني بشكل صحيح.
ولكن في بداية العلاقات، أو في العلاقات العابرة أو العلاقات غير الرسمية (Causal relationships) يكون من الأصعب الحصول على الموافقة بشكل ضمني. فعلاقتي بشريك/ة جديد/ة تعني أنني لا أعلم بعد الطريقة التي يعبرون بها عن أنفسهم/ن على وجه التحديد أو ماذا تعني لغة جسدهم/ن وكيف يعبرون أيضاً عن عدم موافقتهم/ن. مما يتطلب في أغلب الأحيان التعبير والسؤال بشكل أكثر وضوحاً، من أجل التأكد من قبول أو رفض الشريك/ة.
لذلك فهناك مسئولية تقع على كل طرف في العلاقة للتأكد من موافقة الطرف الآخر، موافقة صريحة إذا أمكن عن طريق الحديث عن الأمر، وربما موافقة ضمنية.
ومن المهم هنا التوقف لفهم ما قد تعنيه الموافقة الضمنية في حالات العلاقات العابرة أو في بدايات العلاقات، فقد تأتي في صورة تفاعل الشريك/ة مع المبادرة من خلال حركة الجسد بتجاوب أو إصدار أصوات تبدي الاستمتاع أو البدء في خلع الملابس أو غيرها من الطرق التي يتجاوب فيها الطرف الآخر مع المبادرة.
ومن الضروري في هذه الحالة، عدم افتراض أن تلميحات معينة تعني بالضرورة الموافقة، ومن الضروري أيضًا البحث بشكل جاد عن أي علامات قد تدل على عدم ارتياح الشريك/ة أو رفضهم حتى إن كانت تلك العلامات هي أيضاً ضمنية وغير صريحة.
الخوف من الرفض والإحجام عن المبادرة
ومع مفهوم الموافقة، تأتي فكرة الرفض، فتقبل الرفض ليست تجربة سهلة في الأغلب، وربما يكون هذا الخوف من الرفض من أحد الأسباب التي تثني أحد الأطراف عن المبادرة.
ولكن التلميح ليس الطريقة الوحيدة للتعبير عن الرغبة.
في كثير من العلاقات، لا تشعر النساء بأي خجل من إبداء تلك الرغبة بشكل صريح، وخاصة اذا كان الشريك مشجع لذلك. أو إذا كانت العلاقة بينهما تشمل هذا النوع من التعبير من الطرفين.
يشارك الكثير من النساء أنهن يكن أكثر ارتياحًا في طلب الجنس بشكل صريح في أعمار العشرين والثلاثين . ربما يرتبط ذلك أيضًا بالدعوات المختلفة التي تقر بوجود رغبة جنسية لدى المرأة مثل الرجل وتشجع النساء على المتعة.
وعندما نتحدث عن مبادرة النساء، من المهم ذكر أنه يوجد الكثير من النساء التي لا يستطيعن إبداء تلك الرغبة على الإطلاق حتى إن كانت موجودة وتنتظر من شريكها المبادرة.
فهم المبادرة في السياق المجتمعي الأكبر
وبالعودة الى تأمل المبادرة في السياق المجتمعي الأكبر، حيث غالباً ما يكون الحديث عن الجنس بوجه عام من خلال التلميحات واللغة المستترة والكلمات ذات المعاني المتعددة.
فمن الممكن تخيل لماذا تحدث المبادرة الجنسية في الأغلب بشكل غير صريح، وحتى إن كان الشركاء/الشريكات لا يمانعن/ون التعبير بشكل صريح، ولكن يمنعهم في بعض الأحيان ما قد تعنيه تلك المبادرة الصريحة في سياق هذا المجتمع الأوسع.
ولا يمنع هذا أن المبادرة الجنسية هي أمر خاص بالتفضيلات الشخصية، فقد تفضل الكثير من النساء أو الرجال أن يكون شركائهم/شريكاتهم أكثر مبادرة. يشارك الكثير أن مبادرة الشريك/ة تشعرهم/ن أنهم مرغوبون/ات أكثر.
ولكن أدعوكم مرة ثانية إلى النظر للمشهد الأول والتفكير في هل كانت وجبة العشاء مبادرة؟ هل ارتداء ملابس معينة وربما حتى التأكد من نوم الأطفال قبل ذلك الوقت قد يعتبر مبادرة؟
اذا استطعنا توسيع مفهوم المبادرة الجنسية لتشمل الأفعال غير الصريحة، يمكننا التوصل إن مساحة مبادرة النساء هي أكبر بكثير مما نتخيل.